للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث بيان حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان سفكًا للدماء كما يُقال ما كلمه، ولا أمهله، فاقْتَصَرَ فِي الْيَوْم الثَّالِث عَلَى الْإِجْمَال تَفْوِيضًا إِلَى جَمِيل خُلُقه - صلى الله عليه وسلم -.

وفي الحديث تعْظِيم أَمْر الْعَفْو عَنْ المُسِيء؛ لِأَنَّ ثمامَة أَقْسَمَ أَنَّ بُغْضه اِنْقَلَبَ حُبًّا فِي سَاعَة وَاحِدَة لمِا أَسَدَاهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ مِنْ الْعَفْو وَالمُنّ بِغَيْرِ مُقَابِل (١).

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أبو مُوسَى: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا. (٢)

فأين ذكر السيف والكلام؟ .

وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد لحظة من غير ضمها إلى التبشير (٣).

ولكن هناك حديث قد يتوهم البعض أن فيه غدرًا.

فعن ابْنِ عَوْنٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ أَسْأَلهُ عَنْ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ؟ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَدْ أَغَارَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى المَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى سَبْيَهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ قَالَ يَحْيَى أَحْسِبُهُ قَالَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الحارِثِ. وَحَدَّثَنِي هَذَا الحدِيثَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَاكَ الجيْشِ (٤).

قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث: جَوَاز الْإِغَارَة عَلَى الْكُفَّار الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَة مِنْ غَيْر إِنْذَار بِالْإِغَارَةِ. ويَجِب الإنذار إِنْ لَمْ تَبْلُغهُمْ الدَّعْوَة، وَلَا يَجِب إِنْ بَلَغَتْهُمْ، لَكِنْ يُسْتَحَبّ.

وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر الأمراء على البعوث ويوصيهم بأشياء تدل على أن هذا الدين لم ينتشر بالحدة مطلقًا، فعن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ؛ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ مِنْ المُسْلِمِينَ خَيْرًا؛ ثُمَّ قَالَ: "اغْزُوا بِاسْمِ الله فِي سَبِيلِ


(١) فتح الباري (٨/ ١٠٤: ١٠٣).
(٢) مسلم (١٧٣٢).
(٣) شرح النووي (١٢/ ٤١).
(٤) البخاري (٢٥٤١)، مسلم (١٧٣٠) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>