للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام مالك: في حديث: "حدثو اعن بني إسرائيل ولا حرج" المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا، ولعل هذا هو المراد من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ المسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْألونَ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِالله، تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّكُمُ الله أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ الله وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، فَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ الله، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أَفَلا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ، وَلا وَالله مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْألُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ" (١)

الثالث: ما لم يقره الإسلام، ولم ينكره، وهو مسكوت عنه، فيجب التوقف فيه، فلا نؤمن به ولا نُكذِّبه، وتجوز حكايته لما رواه البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} (العنكبوت: ٤٦)، ولكن التحدث بهذا النوع جائز، إذا لم يخش محذور؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". (٢)

وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛ كتعيين لون كلب أصحاب الكهف ونحوه. ثم إذا جاء شيء من هذا القبيل - أعنى ما سكت عنه الشرع ولم يكن فيه ما يؤيده أو يفنده - عن أحد من الصحابة بطريق صحيح، فإن كان قد جزم به فهو كالْقِسم الأول، يُقبل ولا يُرد، لأنه لا يعقل أن يكون قد أخذه عن أهل الكتاب بعد ما علم من نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تصديقهم. وإن كان لم يجزم به فالنفس أسكن إلى قبوله، لأن احتمال أن يكون الصحابي قد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ظن سمعه منه، أقوى من احتمال السماع من أهل الكتاب، ولا سيما بعد ما تقرر من أن أخذ الصحابة عن أهل الكتاب كان قليلًا بالنسبة لغيرهم من التابعين ومَن


(١) البخاري (٢٦٨٥).
(٢) البخاري (٣٤٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>