للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الكفر والبدعة فأجمعت الأمة على عصمتهم منهما قبل النبوة وبعدها. ولم يخالف هذا الإجماع إلا من لا يعتد بخلافهم (١).

قال القاضي عياض: والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شيء من ذلك وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة منذ ولدوا ونشأتهم على التوحيد والإيمان بل على إشراق أنوار المعارف نفحات ألطاف السعادة ولم ينقل أحد من أهل الأخبار أن أحد النبي واصطفى ممن عرف بكفر وإشراك قبل ذلك ومستند هذا الباب النقل وقد استدل بعضهم بأن القلوب تنفر عمن كانت هذه سبيله. وأنا أقول: إن قريشًا قد رمت نبينا - صلى الله عليه وسلم - بكل ما افترته، وغير كفار الأمم أنبياءها بكل ما أمكنها واختلقته مما نص الله تعالى عليه أو نقلته إلينا الرواة ولم نجد في شيء من ذلك تعييرًا لواحد منهم برفضه آلهته وتقريعه بذمه بترك ما كان قد جامعهم عليه،


(١) عصمة الأنبياء للرازي ص ٢٦، الإحكام للآمدي ١/ ١٤٥، البحر المحيط للزركشي ٤/ ١٦٩، حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته في ضوء الكتاب والسنة ١/ ١٤٥.
الذين خالفوا في هذه المسألة هم:
١ - الأزارقة: أتباع نافع بن الأزرق، وهم فرقة من فرق الخوارج وقد نقل عنهم أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته. انظر الإحكام في أصول الأحكام ١/ ١٤٦، والمواقف للإيجي ٣/ ٤١٥ - ٤٢٦. روح المعاني للألوسي ١٦/ ٢٧٤.
٢ - الفضيلية: وهم من فرق الخوارج، ويقولون بجواز الكفر على الأنبياء من جهة كونهم يعتقدون جواز صدور الذنوب عن الأنبياء وكل ذنب هو كفر -على حسب اعتقادهم- فمن هذا الباب جوزوا صدور الكفر عنهم. عصمة الأنبياء للرازي ص ٢٦، والإحكام للآمدي ١/ ١٤٦.
٣ - الرافضة: فقد جوزوا على الأنبياء إظهار الكفر على سبيل التقية عند خوف الهلاك، بل نقل عنهم أنهم أوجبوه. ويعللون ذلك بقولهم: إن إظهار الإسلام إن كان مفضيًا إلى القتل كان إلقاءً للنفس في التهلكة، وإلقاء النفس في التهلكة حرام لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة: ١٩٥)، وإذا كان إظهار الإسلام حرامًا كان إظهار الكفر واجبًا. انظر: عصمة الأنبياء للرازي صـ ٢٦، والمواقف للإيجي ٣/ ٤١٥.
٤ - قال ابن حزم: وأما هذا الباقلاني فإنا رأينا في كتاب صاحبه أبي جعفر السمناني قاضي الموصل أنه كان يقول: أن كل ذنب دق أو جل فإنه جائز على الرسل حاشى الكذب في التبليغ فقط قال: وجائز عليهم أن يكفروا. الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/ ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>