للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصدقي". قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: "فإني نَذِير لَكُمْ بَيْنَ يدي عَذَابٍ شَدِيدٍ". قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، مَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟ ! ثُمَّ قَامَ، فَنزلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)} (١).

هكذا يعترف له قومه أجمعون بالصدق، وعدم عثورهم على ما يناقض هذا الخلق منه، وهم وإن لم يكونوا قد ناصبوه العداء آنذاك، إلا أن هذه الشهادة وغيرها ظلت قائمة لا ينازعون فيها، ولم يسحبوها حينما جاهرهم بالدعوة وناصبوه العداء، وقد حرصوا بعد ذلك على صد الناس عن الإيمان كل الحرص، وبذلوا كل جهد، غير أنهم لم يقدروا أن ينالوا من صدقه وأمانته وعفافه.

الدليل الثاني: من دلائل عصمته - صلى الله عليه وسلم - في نقل الوحي، ما ثبت من أخباره وآثاره، وسيره وشمائله، المعتنى بها، المستوفاة تفاصيلها، ولم يردفي شيء منها تداركه - صلى الله عليه وسلم - لخبر صدر عنه، رجوعًا عن كذبة كذبها أو اعترافًا بخلف في خبر أخبر به، ولو وقع منه شيء من ذلك لنقل إلينا. وإن الصحابة - رضوان الله عليهم - قد اتفقوا على أنه لم يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر بخلاف الواقع في أي أمر من الأمور، ولم يتثبتوا عن حاله عند ذلك، هل وقع فيها سهوًا أم لا، ولم يتوقفوا حتى يتأكدوا إن كان ذلك جدًا أو هزلًا، لأنه - صلى الله عليه وسلم - صادق معصوم في كل ذلك عندهم، كل الصدق، وكل العصمة.

قال القاضي عياض: ودليل ذلك اتفاق السلف، وإجماعهم عليه، وذلك أنا نعلم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق جميع أقواله، والثقة بجميع أخباره في أي باب كانت، وعن أي شيء وقعت، وأنه لم يكن لهم توقف، ولا تردد في شيء منها ولا استثبات عن حاله عند ذلك، هل وقع فيها سهو أم لا. (٢)

الدليل الثالث: وفي يشهد بعصمته - صلى الله عليه وسلم - في بلاع الوحي، وأنه لا يقول إلا حقًّا سواء في الرضى والغضب، والصحة والمرض "فترة الوحي في قصة الإفك" لقد كانت تنزل


(١) البخاري (٤٩٧١)، مسلم (٢٠٨).
(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>