للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي رحمه الله: هذا حديث عظيم الموقع، وهو أجمع أو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - جمع فيه ما يخرج عن جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدهم، فاختصر - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحرف ما يباين به جميعهم وسمى عيسى -عليه السلام- كلمة لأنه كان بكلمة كن فحسب من غير أب، بخلاف غيره من بني آدم. قال الهروي: سمى كلمة لأنه كان عن الكلمة فسمى بها كما يقال للمطر رحمة، قال الهروي: وقوله تعالى {وَرُوحٌ مِنْهُ} أي رحمة قال: وقال ابن عرفة: أي ليس من أب إنما نفخ في أمه الروح، وقال غيره: وروح منه أي مخلوقة من عنده، وعلى هذا يكون إضافتها إليه إضافة تشريف كناقة الله، وبيت الله وإلا فالعالم له -عز وجل- ومن عنده. (١)

وقال ابن حجر: قال القرطبي: مقصود هذا الحديث التنبيه على ما وقع للنصارى من الضلال في عيسى، وأمه ويستفاد منه ما يلقنه النصراني إذا أسلم. وقال غيره: في ذكر عيسى تعريض بالنصارى وإيذان بأن إيمانهم مع قولهم بالتثليث شرك محض، وكذا قوله: عبده، وفي ذكر رسوله تعريض باليهود في إنكارهم رسالته، وقذفه بما هو منزه عنه وكذا أمه وفي قوله وابن أمته تشريف له وكذا تسميته بالروح ووصفه بأنه منه كقوله تعالى وسخر لكم ما في الأرض جميعًا منه فالمعنى أنه كائن منه كما أن معنى الآية الأخرى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه أي أنه مكون كل ذلك وموجده بقدرته وحكمته، وقوله: وكلمته إشارة إلى أنه حجة الله على عباده أبدعه من غير أب، وأنطقه في غير أوانه، وأحيى الموتى على يده، وقيل: سمي كلمة الله لأنه أوجده بقوله: فلما كان بكلامه سمي به كما يقال سيف الله وأسد الله وقيل لما قال في صغره إني عبد الله، وأما تسميته بالروح فلما كان أقدره عليه من إحياء الموتى، وقيل: لكونه ذا روح وجد من غير جزء من ذي روح. (٢) ومن فوائد هذا الحديث عدم الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان، فقوله: "وأن عيسى عبد


(١) شرح مسلم للنووي (١/ ٢٣٦).
(٢) فتح الباري ٦/ ٤٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>