وهؤلاء المشركون يعظمون الشمس والقمر والكواكب تعظيمًا يسجدون لها ويتذللون لها ويسبحونها تسابيح معروفة في كتبهم ودعوات لا ينبغي أن يدعى بها إلا خالقها وفاطرها وحده فبالله أتجعل قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (١٦)} دليلًا على هذا، ومقدمة له في أول الكتاب فإن كان الإقسام بها دليلًا على تأثيراتها في العالم كما يقولون فينبغي أن يكون سائر ما أقسم به كذلك وإن لم يكن القسم دليلا بطل الاستدلال به.
فائدة: اجتمع جماعة من الكبراء والفضلاء يومًا فقرأ قارىء: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (٣)} حتى بلغ {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤)}، وفي الجماعة أبو الوفاء بن عقيل فقال له قائل: يا سيدي هب أنه أنشر الموتى للبعث والحساب وزوج النفوس بقرنائها للثواب والعقاب فما الحكمة في هدم الأبنية وتسيير الجبال ودك الأرض وفطر السماء ونثر النجوم وتخريب هذا العالم وتكوير شمسه وخسف قمره فقال ابن عقيل على البديهة: إنما بني لهم هذه الدار للسكنى والتمتع وجعلها وما فيها للاعتبار والتفكر والاستدلال عليه بحسن التأمل والتذكر فلما انقضت مدة السكنى وأجلاهم عن الدار وخربها لانتقال الساكن منها، فأراد أن يعلمهم بأن في إحالة الأحوال وإظهار تلك الأهوال وإبداء ذلك الصنع العظيم بيانا لكمال قدرته ونهاية حكمته وعظمة ربوبيته وعظمة جلاله وعظم شأنه وتكذيبًا لأهل الإلحاد وزنادقة المنجمين وعباد الكواكب والشمس والقمر والأوثان ليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين فإذا رأوا أن منار آلهتهم قد انهدم وأن معبوداتهم قد انتثرت والأفلاك التي زعموا أنها وما حوته هي