للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهاتان القصتان تشهدان بما للرسول - صلى الله عليه وسلم - من المكانة في النسب عند قومه لإقرار أعدائه وأعداء رسالته، حيث لم يستطيعوا أن يخفوا هذه الحقيقة مع أنهم كانوا يتهمونه بتهم باطلة، مرة بالسحر، ومرة بالجنون، ومرة بالشعر والكهانة، ومع هذا لم ينقل إلينا عن أحدهم تهمة واحدة يقدحون بها في الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جهة النسب، كما أن النصوص الأخرى التي أوردناها تدل على أن العرب أفضل الناس من ناحية النسب، وأنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أفضلها نسبًا، وأن هذه سنة الله في اختيار رسله جميعًا كما جاء في قول هرقل السابق.

قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: (الظاهر أن إخبار هرقل بذلك بالجزم كان على العلم المقرر في الكتب السالفة). (١)

والحكمة في ذلك كما قال النووي رحمه الله أنه أبعد من انتحاله الباطل وأقرب إلى انقياد الناس له؛ لأن الناس يأنفون من الانقياد إلى رجل وضيع من جهة، وكذلك الوضيع لا تسول نفسه له قيادة الناس عن جهة أخرى.

ولهذا كان نسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له تأثير على نفسه من ناحية وعلى قومه من ناحية أخرى، كما ذكر غير واحد من العلماء.

يقول د. محمد قلعت في هذا المقام: هذا النسب له أثره في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان له أثر فيمن يبلغهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريعة الله، أمّا أثره في رسول الله فقد شب - صلى الله عليه وسلم - مرفوع الرأس رغم يتمه لا يعرف الذل ولا الخنوع. جريئًا في إعلان رأيه، تملأ الثقة نفسه، أما أثره فيمن دعاهم رسول الله إلى الإيمان والانضواء تحت راية الإسلام؛ فإن أكبر شخصية في العرب لا تجد غضاضة من الانضواء تحت راية الإسلام، وقبول محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولًا وحاكمًا؛ لأنهم يعترفون بأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من أعرق بيوت قريش نسبًا. (٢)

وهذه حقيقة ثابتة لا جدال فيها وإن كان هناك من يعارضه من قومه، لكن ليس هذا من جهة نسبه ولا رفضًا لشخصيته، وإنما كان رفضًا موجهًا لرسالته - صلى الله عليه وسلم -.


(١) فتح الباري لابن حجر (١/ ٤٨).
(٢) التفسير السياسي للسيرة (١١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>