للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخبائث التي كانوا يستحلونها من قبل، ويضع عنهم ثقال الأعمال التي فرضت عليهم من قبل، كقتل النفس عند التوبة، وقطع أثر النجاسة، وعدم مجالسة الحائض، وتحريم شحوم الأنعام، وغير ذلك من الإصر الذي قيدهم من أعناقهم بأغلال الشريعة. فالذين آمنوا بدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - منهم وعزَّروه ووقروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وهو القرآن الكريم أولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة.

وعندما يعترض البعض ويقول: إن حديث النبي الأمي يقتطع مرتين ولا ينسجم مع خطاب موسى لربه، لا في النسق ولا في الموضوع! أي أن موسى يطلب من ربه أن يسجل له ولقومه يهوديتهم حسنة لهم، فيرد ربه أن على موسى وقومه أن ينتظروا قرابة الألف سنة حتى يأتي محمد ويؤمنوا به فيسجل لهم بهذا حسنةً! ! .

والرد: يقول موسى عليه السلام لربه: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}، و {هُدْنَا إِلَيْكَ} أي تبنا إليك توبة نصوح (١).

ففي المعجم: هادَ هَوَدًا أي تاب ورجع إلى الحق، فهو هَائِدٌ والجمع هودٌ (٢)، وليس المقصود أي الملة اليهودية كما ذهب بعض النصارى!

ويرد عليه رب العزة عز وجل: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ} أي: أنه إن كانت قد أصابتكم فتنة أهلكت بعضكم؛ فإن ذلك عذابي وتلك بإرادتي، ومع ذلك فرحمتي قد وسعت كل شيء من الخلق، حتى إن البهيمة لها رحمة وعطف على ولدها. قال قتادة: طمع في هذه الآية كل شيء حتى إبليس، فقال: أنا شيء؛ فقال الله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}، فقالت اليهود والنصارى: بل نحن متقون؛ فقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}. فخرجت بذلك عن العموم (٣).


(١) تفسير الجلالين (١/ ٢١٧).
(٢) المعجم الوجيز مادة هاد.
(٣) جامع البيان ٦/ ٧٨، والجامع لأحكام القرآن ٧/ ٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>