الوجه الأول: إن تهجّي الكلمات يشمل نوعين: تهجي الكلمات المسموعة، وهذا أمر يشترك فيه المتعلم والأميِّ على السواء، وتهجّي الكلمات المكتوبة، وهذا لا يقدر عليه إلا من كان يحسن القراءة، وإذا كان الأمر كذلك فليس في الحديث دلالة على معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - للقراءة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نطق الكلمة ثم تهجّاها.
الوجه الثاني: إن ما ذكره المستشرقون ومن تبعهم من محاولات للتشكيك في أمّيّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصمد أمام حقيقة هامة، وهي أن أهل مكة الذين عاشوا معه وعلموا أخباره، وعرفوا مدخله ومخرجه وصدقه ونزاهته، قد أقرّوا جميعًا بأميّته.
الوجه الثالث: اتخاذه - صلى الله عليه وسلم - كتبة للوحي دليل بارز على أميته؛ إذ لو لم يكن كذلك لكتب القرآن بنفسه فإن قيل: ذلك عسير عليه أن يكتبه بمفرده قلنا: لا عسر في ذلك فالقرآن نزل منجمًا في ثلاث وعشرين سنة، وكثير من الصحابة كتبوا مصاحف لخاصة أنفسهم، وإذا لم يتفرد بهذا فلا أقل من أن يقوم معاونًا للكتبة مشاركًا لهم؛ فإذا لم يفعل - صلى الله عليه وسلم - هذا مع توفر الدواعي إلى مثله، فقد دل على أنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وقد مضى أنه أرسل إلى زيد بن ثابت ليكتب له {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}.
الوجه الرابع: كان - صلى الله عليه وسلم - يعاجل جبريل بالقراءة عند نزوله عليه بالقرآن خشية أن يتفلت منه فضمن الله له الحفظ وأنزل عليه قوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨)} (القيامة: ١٦ - ١٨). والشاهد أنه لو كان كاتبًا قارئا لما خشي ذلك؛ لأن عليه فقط أن يُدون ما نزل ليرجع إليه عند الحاجة؛ ولأن ذلك لم يحدث فقد دل على أنه أمي.
الوجه الخامس: في فداء أسرى بدر جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فداء الواحد منهم أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين، وهذا تنبه منه - صلى الله عليه وسلم - إلى أهمية العلم، فنحن مطالبون به ديانة، وعليه فلو كان مجيدًا للقراءة والكتابة، لقام بتعليم الصحابة وأبناءهم ضرورة، أنه معلم الأمة؛ فإن قيل: كان من