للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن القول بأن هؤلاء القوم لم تصلهم الدعوة ولم يبلغهم دين، قول مخالف للنصوص، بل الصحيح الذي لا مناص منه أن الحجة قامت عليهم، وأنهم وصلتهم دعوة الرسل فأقاموا على كفرهم وشركهم.

أما الدليل على هذا: فهو ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكئر من نص من الحكم على بعض من مات قبل مبعثه بأنه في النار، ومن ذلك إخباره عن أمه وأبيه وقد سبق.

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قلت: يَا رَسُولَ الله، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: "لَا يَنْفَعُهُ؛ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ". (١)

عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيَفْعَلُ كَذَا، قَالَ: "إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ شَيْئًا فَأَدْرَكَهُ". (٢)

وكذا عمرو بن لُحَيٍّ وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ. (٣)

فهذه النصوص تدل على أن تلك الفترة الزمنية، قامت عليها الحجة الرسالية التي يستوجب مخالفُها النار، بمعني أن تلك الفترة كان فيها مَن هو متمسك بالتوحيد، وينكر ما عليه أهل الشرك.

فإن قيل: إن هذا ليس أمرًا عامًا، فنقول: هو ثابت على الأقل فيمن جاء النص بأنه في النار؛ فإن هذا فيه دلالة على أنه بلغته الدعوة، وقامت عليه الحجة ومن ضمن هؤلاء والداه - صلى الله عليه وسلم -.

وليس المقصود: أنهم بلغتهم الشرائع مفصلة، بل بلغهم بقايا من دين إبراهيم، وكانوا يعلمونه ولكن يُعرِضُونَ عنه، بدليل أنه وُجِدَ في تلك الفترة موحدون، منهم: ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقد جاء أنه كان يسند ظهره إلي الكعبة، ويقول: (أيها الناس هلموا إليّ؛ فإنه لم يبقَ على دين إبراهيم أحد غيري). (٤)


(١) مسلم (٢١٤).
(٢) مسند أحمد ٤/ ١١.
(٣) البخاري (٣٣٣٣)، مسلم (٨٥٦).
(٤) البخاري (٣٦١٦) بلفظ: (يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَالله مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي).

<<  <  ج: ص:  >  >>