للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب يظهر جليًا في كلام العلما، الذين رووا هذه اللفظة فهل فهموا منها ذلك؟ ! أم أنه مجرد فهم حادث لا أصل له؟ مع اعتبار أن من رواها أولى بفهمها.

١ - كلام جبير في الحديث حيث ساقه في سبيل الاستدلال على مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقومه، ولهذا قال في آخر الحديث: توفيقًا من الله تعالى.

قال ابن إسحاق: فشب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلؤه الله، ويحفظه، ويحوطه من أقذار الجاهلية، ومعايبها لما يريد به من كرامته، ورسالته، وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلًا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلُقًا، وأكرمهم مخالطةً، وأحسنهم جوارًا، وأعظمهم خَلْقًا، وأصدقهم حديثًا، وأعظمهم أمانةً، وأبعدهم من الفحش، والأخلاق التي تدنس الرجال تنزهًا، وتكرمًا حتى ما اسمه في قومه إلا (الأمين) لما جمع الله - عز وجل - فيه من الأمور الصالحة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذُكر لي، يحدث عما كان يحفظه الله - عز وجل - به في صغره وأمر جاهلية.

إلى آخر ما ذكره، حتى وصل إلى رواية هذا الحديث. وسياق الكلام يؤكد أن قوله في البداية: كان على دين قومه: أي على عادتهم، ولكن الله عصمه في دينه واعتقاده، مما خالف الحق من دينهم. ومما يؤكد هذا أن الدين قد يقال بمعنى: الدأب والعادة قال الشاعر:

قول إذا درأت لها وضيني ... أهذا دينه أبدا وديني.

أي عادته وعادتي. ويقال ما زال ذلك ديني وديدني أي عادتي. (١)

قال البيهقي: قوله: "على دين قومه" معناه: على ما كان قد بقي فيهم من إرث إبراهيم وإسماعيل - عليهم السلام - في حجهم، ومناكحهم، وبيوعهم، دون الشرك؛ فإنه لم يشرك بالله قط وفيما ذكرنا من بغضه اللات والعزى دليل على ذلك (٢).


= (١/ ٩٠) ومن طريقه أحمد في السند (٤/ ٨٢) والحاكم في المستدرك (١/ ٦٥٦) والأزرقي في أخبار مكة (٢٧٣٢) وابن خزيمة في صحيحه (٣٠٥٧) كلهم رووه من طريق ابن إسحاق من غير هذه اللفظة غير أن ابن خزيمة قال في روايته: قبل أن ينزل عليه.
(١) المخصص مادة دين، وتاج العروس مادة دين.
(٢) دلائل النبوة (٢/ ٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>