للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما يقوله المنكرون من أنهم فعلوا في الحبال والعصي ما أوجب حركتها ومشيها مثل الزئبق وغيره حتى سعت فهذا باطل من وجوه كثيرة فإنه لو كان كذلك لم يكن هذا خيالا بل حركة حقيقية ولم يكن ذلك سحرًا لأعين الناس ولا يسمى ذلك سحرًا بل صناعة من الصناعات المشتركة وقد قال تعالى {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (طه: ٦٦)، ولو كانت تحركت بنوع حيلة كما يقوله المنكرون لم يكن هذا من السحر في شيء ومثل هذا لا يخفى، وأيضًا لو كان ذلك بحيلة كما قال هؤلاء لكان طريق إبطالها إخراج ما فيها من الزئبق وبيان ذلك المحال ولم يحتج إلى إلقاء العصا لابتلاعها وأيضًا فمثل هذه الحيلة لا يحتاج فيها إلى الاستعانة بالسحرة بل يكفي فيها حذاق الصناع ولا يحتاج في ذلك إلى تعظيم فرعون للسحرة وخضوعه لهم ووعدهم بالتقريب والجزاء وأيضًا فإنه لا يقال في ذلك إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فإن الصناعات يشترك الناس في تعلمها وتعليمها وبالجملة فبطلان هذا أظهر من أن يتكلف رده فلنرجع إلى المقصود فصل شر الحاسد إذا حسد. (١)

وقد يستشكل بعضهم أن يكون للسحر تأثير حقيقي وذلك لسببين.

الأول: كون السحر بحد ذاته حقيقة ثابتة إذ هو فيما يتوهمه البعض أمر مناف بقضية التوحيد.

الثاني: أن يقال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سحر فذلك مما يحط (في وهمهم) من منصب النبوة ويشكك الناس فيها، والحقيقة أنه لا إشكال في الأمر البته.

أما الجواب عن الوهم الأول فهو أن اعتبار السحر حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرًا بذاته بل هو كقولنا السم له مفعول حقيقي ثابت والدواء له مفعول حقيقي ثابت فهذا الكلام صحيح لا ينكر غير أن هذا التأثير في هذه الأمور الثابتة إنما هو الله تعالى وقد قال الله تعالى عن السحر {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: ١٥٢) وقد نفى الله - عز وجل - عن السحر التأثير الذاتي ولكنه أثبت له في نفس الوقت مفعولًا ونتيجة بإذن الله تعالى.


(١) بدائع الفوائد (٢/ ٤٤٩: ٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>