للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كنت مطبوبًا فلا زالت هكذا وإن كنت مسحورًا فلا برأ السحر.

وأقل ما يدل عليه هذا أن الطب أخص من السحر، وأن من الأنواع التي يصاب بها الإنسان ويطلق عليها سحر ما يقال له "طب" وما لا يقال "طب" وعلى كل حال فالذي ذكر في الحديث ليس من نوع ما زعمه المشركون، ولا هو من ملابسة الشيطان، وإنما هو أثر النفس الساحر وفعله، وقد قدمت أن وقوع أثر ذلك نادر فلا غرابة في خفاء تفسيره. وهذا يغني عما تقدم. (١)

وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم فالحديث متلقى بالقبول بينهم لا يختلفون في صحته وقد اعترض عليه كثير من أهل الكلام وغيرهم وأنكروه أشد الإنكار وقابلوه بالتكذيب وصنف بعضهم فيه مصنفًا مفردًا حمل فيه على هشام وكان غاية ما أحسن القول فيه أن قال غلط واشتبه عليه الأمر ولم يكن من هذا شيء قال: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يسحر فإنه يكون تصديقًا لقول الكفار {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} [الإسراء: ٤٧] وهذا كما قال فرعون لموسى - عليه السلام - {فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: ١٠١].

وقال قوم صالح له {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣)} [الشعراء: ١٥٣].

وقال قوم شعيب له {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥)} [الشعراء: ١٨٥].

قالوا: فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا فإن ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم من الشياطين وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم فإن هشامًا من أوثق الناس وأعلمهم ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه فما للمتكلمين وما لهذا الشأن وقد رواه غير هشام عن عائشة - رضي الله عنها -.


(١) الأنوار الكاشفة (صـ ٢٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>