للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمان الفصحاء، والبلغاء، وتجاريد الشعراء، فأتاهم بكتاب من عند الله - عز وجل -، فاتهمه أكثرهم أنه اختلقه وافتراه من عنده فتحداهم، ودعاهم أن يعارضوه، ويأتوا بمثله، فعجزوا عن ذلك.

قال ابن كثير: عند قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو، فقال مخاطبًا للكافرين: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} يعني محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فأتوا بسورة من مثل ما جاء به، إن زعمتم أنه من عند غير الله، فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله؛ فإنكم لا تستطيعون ذلك، وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن، فقال في سورة القصص: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩)} [القصص: ٤٩] وقال في سورة سبحان: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨] وقال في سورة هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣)} [هود: ١٣] وقال في سورة يونس: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)} [يونس: ٣٧، ٣٨] وكل هذه الآيات مكية، ثم تحداهم بذلك أيضا في المدينة، فقال في هذه الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أي شك {مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} يعني محمدًا - صلى الله عليه وسلم - {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} يعني من مثل القرآن. قاله مجاهد، وقتادة، واختاره ابن جرير والطبري، والزمخشري، والرازي ونقله عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس - رضي الله عنه -، والحسن البصري، وأكثر المحققين، ورجح ذلك بوجوه من أحسنها: أنه تحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك، أميهم وكتابيهم، وذلك أكمل من التحدي، وأشمل من أن يتحدى آحادهم الأميين ممن لا يكتب ولا يعاني شيئًا من العلوم، وبدليل قوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} وقوله: {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>