للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: ومن عصمة الله - عز وجل - لرسوله - صلى الله عليه وسلم - حفْظُه له من أهل مكة، وصناديدها، وحسادها ومُعَانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبَغْضة ونصب المحاربة له ليلًا ونهارًا، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر، هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرًا، ثم قيض الله - عز وجل - له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة -، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه (١).

والأمثلة على هذا كثيرة ومنها:

١ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم فقال واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي. زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه قال فقيل له مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا (٢).

٢ - وعن سلمة بن عمرو بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينًا، فلما واجهنا العدو تقدمت، فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو، فأرميه بسهم فتوارى عني، فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم، فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فولى صحابة النبي وأرجع منهزمًا، وعلي بردتان متزرًا بإحداهما مرتديًا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهزمًا وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد رأى ابن الأكوع فزعًا"، فلما غشوا


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ١١٢: ١١٠).
(٢) رواه مسلم (٢٧٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>