ثانيًا: فما بقى لزوم إثبات المعجزة بالتواتر على لسان الجمع من الناس الثقات بسند متصل معتبر غير مجروح (أي أن يكون الرواة ثقات عدول، مشهود لهم بحسن الدين والحفظ، وعدم التوهم أو الكذب في كل الطبقات)، وهذا كما تعلم وكما أثبتنا في الباب الأول باب التحريف أشد امتناعا من سابقه (أي أولًا) فهو ممتنع باعتراف علماء الكتاب المقدس، فلا سند متصل عندهم لكتابهم كله، ولا حتى لجزء أو سفر أو إصحاح من إصحاحاته، وهذا من أشد الطعونات في دين النصارى واليهود، وقد اعترفوا قاطبة (أي اليهود والنصارى) أنه لا سند متصل لهذه الكتب الموجودة بين أيديهم كما للقرآن مثلًا، أو حتى للأحاديث النبوية الشريفة، وهذا لأسباب كثيرة منها السبي الذي وقع على اليهود، ومنها استمرار تمردهم، وارتدادهم وكفرهم مرة بعد مرة، مما تسبب في ضياع الكتب وتحريفها، ومنها العشرة بلايا والمصائب التي مرت بهم في القرون الميلادية الثلاثة الأولى، مما تسبب في ضياع أي سند لكتبهم جمعاء، ومنها فقدان كتب بكاملها، ومنها الاعتقاد السائد حينذاك، والذي أعتقد أنه مستمر إلى الآن (فهم لا يغيرون عادتهم) أن الكذب من أجل تمجيد الله ليس شيئًا جيدًا فحسب، ولكنه مستحب عند الله، وغير هذا من الأسباب الكثيرة، وإن ركنا إلى الأناجيل لإثبات هذا؛ فإنه لا يثبت أبدًا للتناقض الوارد في كل معجزة فعلها من رواة الأناجيل وغيره كما مر سابقًا، فبهذه أيضًا لا يمكن إثبات معجزات المسيح عليه السلام.
إذًا فهذه المعجزات لا يمكن ثبات نسبتها إلى المسيح أبدًا لا ببقائها؛ حتى تُعجز الخلق ويؤمنوا أنه فعلها ولا بالتواتر كما بينا فيؤمن الناس أن المسيح فعلها فهي في حكم المنتفية عن الحدوث أساسًا، كما هو واضح ولو وافقنا النصارى بغض النظر عن ثبوت وقوع هذه المعجزات (جدلًا) وطلبنا منهم أن يأتوا بمعجزة واحدة فعلها يسوع في كتابهم يتوفر فيها شرطان كما يلي:
الشرط الأول: معجزة فعلها يسوع ونسبها لنفسه وأَقَرَّ أنه فعل تلك المعجزة بقدرته الذاتيه، وأنه لم يعينه غيره على فعلها ولم يطلب عون غيره فيها.