للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ} في تأييدكم ونصركم وقهركم أعداءكم، حتى استوليتم عليهم قتلًا وأسرًا ونهبًا، على قلّة عددكم وعددكم {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} من غنائمهم وفدائهم عذاب عظيم منهم، لكونهم كانوا أكثر عددًا منكم وعددًا، ولكنه سهل تعالى عليكم، ولم يمسّكم منهم عذاب لا بقتل ولا أسر ولا نهب، وذلك بالحكم السابق في قضائه، أنه يسلّطكم عليهم ولا يسلّطهم عليكم، فليس المعنى لمسكم من الله، وإنما المعنى لمسكم من أعدائكم، كما قال: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} وقال: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} ثم قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} أي مما غنمتم، ومنه ما حصل بالفداء الذي أقره الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال: "لا يفلتن منهم رجل إلا بفدية أو ضرب عنق" وليس هذا الأمر مُنْشِئًا لإباحة الغنائم، إذ قد سبق تحليلها قبل يوم بدر؛ ولكنه أمر يفيد التوكيد واندراج مال الفداء في عموم ما غنمتم؛ إذ كان قد وقع العتاب في الميل للفداء، ثم أقرّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وانتصب (حلالًا) على الحال من ما إن كانت موصولة، أو من ضميره المحذوف، أو على أنه نعت لمصدر محذوف، أي أكلًا حلالًا، وجوّزوا في (ما) إن تكون مصدرية وروي أنهم أمسكوا عن الغنائم، ولم يمدّوا أيديهم إليها فنزلت، وجعل الزمخشري قوله {فَكُلُوا} متسبّبًا عن جملة محذوفة، هي سبب، وأفادت ذلك الفاء وقدّرها قد أبحت لكم الغنائم فكلوا، وقال الزجاج الفاء للجزاء، والمعنى قد أحللت لكم الفداء فكلوا، وأمر تعالى بتقواه؛ لأن التقوى حاملة على امتثال أمر الله، وعدم الإقدام على ما لم يتقدّم فيه، إذن ففيه تحريض على التقوى من مال إلى الفداء، ثم جاءت الصفتان مشعرتين بغفران الله ورحمته عن الذين مالوا إلى الفداء قبل الإذن. (١)

وقال الزمخشري: معناه إذا اتقيتموه بعدما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه، غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم. (٢)


(١) نقلًا من البحر المحيط ٤/ ٥١٥.
(٢) الكشاف ٢/ ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>