للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقول: إنما وصف ذلك بإنقاض الظهر مع كونها مغفورة لشدة اغتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بوقوعه منه وتحسره مع ندمه عليها (١).

أما الوجه الثاني: فسنذكره لاحقًا إن شاء الله ضمن أوجه الرد الأخرى.

قال في التسهيل: إنه إن كان ثمَّ ذنب فلن يَخْرُج عن ترك الأَوْلَى، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين (٢) وترك الأولى ليس بذنب؛ لأن الأولى وما يقابله مشتركان في إباحة الفعل، والمباحات جائز وقوعها من الأنبياء، وليس فيها قدح في عصمتهم ومنزلتهم؛ لأنهم لا يأخذون من المباحات إلا الضرورات (٣) مما يتقوون به على صلاح دينهم، وضرورة دنياهم.

وقال أيضًا: إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثقل وهي صغائر مغفورة لهم لهمهم بها وتحسرهم عليها فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله، وهي خفيفة عند الله، وهذا كما جاء في الأثر إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه، والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه (٤).

وما أخذ على هذا السبيل التحق طاعة وصار قربة (٥).

وقال أيضًا: ثم إن حقيقة الذنب في اللغة ترجع إلى كل فعل يستوخم عقباه كما فسره الراغب في مفرداته.

وشرعًا: يرجع الذنب إلى مخالفة أمر الله تعالى أو نهيه، وهو أمر نسبى يختلف باختلاف الفعل والفاعل، وقصد الفاعل، فليست المخالفة من العَالم كالمخالفة من الجاهل، وليست المخالفة الواقعة عن اجتهاد، كالمخالفة التي لا تقع عن اجتهاد، وليست المخالفة الواقعة بالقصد والتعمد، كالمخالفة الواقعة بالنسيان.


(١) تفسير الرازي ٣٢/ ٤.
(٢) أي: كلما ترقى في درجة عد ما قبلها سيئة، وهذا قول سعيد الخراز
(٣) ولا يجوز في حقهم عليهم الصلاة والسلام كثير من المباحات القادحة في التعظيم، الصارفة عن القبول.
انظر: المعتمد في أصول الفقه ١/ ٣٤٢.
(٤) التسهيل لعلوم التنزيل ٤/ ٢٠٦.
(٥) الشفا ٢/ ١٤٧ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>