للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقل شرًّا بذلك العهد من المحاربين له، وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم، واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيره وأما الأمم النائية عنه؛ فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته (١).

وثانيها: أن كل نبي قبل نبينا كان إذا كذبه قومه أهلك الله المكذبين بالخسف والمسخ والغرق وأنه تعالى أخر عذاب من كذب رسولنا إلى الموت أو إلى القيامة قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: ٣٣] لا يقال: أليس أنه تعالى قال: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: ١٤] وقال تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} [الأحزاب: ٧٣] لأنا نقول تخصيص العام لا يقدح فيه.

وثالثها: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في نهاية حسن الخلق قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدع على المشركين، قال: "إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابًا" وقال في رواية حذيفة: "إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر، فأيما رجل سببته أو لعنته فاجعلها اللهم عليه صلاة يوم القيامة".

ورابعها: قال عبد الرحمن بن زيد: {إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] يعني المؤمنين خاصة، قال الإمام أبو القاسم الأنصاري والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لما بينا أنه كان رحمة للكل، لو تدبروا في آيات الله وآيات رسوله، فأما من أعرض واستكبر؛ فإنما وقع في المحنة من قبل نفسه كما قال: {وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت: ٤٤]. (٢)

* * *


(١) جلاء الأفهام لابن القيم (١٨١ - ٢٨٩) بتصرف.
(٢) تفسير الرازي (٢٣٠ - ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>