للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ". (١)

قال النووى: قَالَ الْهَرَوِيُّ: السَّيِّد هُوَ الَّذِي يَفُوقُ قَوْمه فِي الْخَيْر، وَقَالَ غَيْره: هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إِلَيْهِ في النَّوَائِب وَالشَّدَائِد، فَيَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مَكَارِههمْ، وَيَدْفَعُهَا عَنْهُمْ.

وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: (يَوْم الْقِيَامَة) مَعَ أنَّهُ سَيِّدهمْ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَسَبَبُ التَّقْيِيد أَنَّ في يَوْم الْقِيَامَة يَظْهَرُ سُؤْدُده لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَا يَبْقَى مُنَازع، وَلَا مُعَانِد، وَنَحْوه، بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَقَدْ نَازَعَهُ ذَلِكَ فِيهَا مُلُوكُ الْكُفَّار وَزُعَماء المُشْرِكِينَ. وَهَذَا التَّقْيِيد قَرِيب مِنْ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: ١٦]، مَعَ أَنَّ المُلْكَ لَهُ سُبْحَانه قَبْل ذَلِكَ، لَكِنْ كَانَ في الدُّنْيَا مَنْ يَدَّعِي المُلْكَ، أَوْ مَنْ يُضَافُ إِلَيْهِ مَجَازًا، فَانْقَطَعَ كُلّ ذَلِكَ في الْآخِرَة.

قَالَ الْعُلَمَاء: وَقَوْله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا سَيِّد وَلَد آدَم" لَمْ يَقُلْهُ فَخْرًا، بَلْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الْفَخْر فِي غَيْر مُسْلِم فِي الحدِيث المَشْهُور "أَنا سَيِّد وَلَد آدَم وَلَا فَخْرَ" (٢)، وإِنَّمَا قَالَهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: اِمْتِثَال قَوْله تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)} [الضحى: ١١].

وَالثَّانِي: أنَّهُ مِنْ الْبَيَان الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغه إِلَى أُمَّته لِيَعْرِفُوهُ، وَيَعْتَقِدُوهُ، وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ، وَيُوَقِّرُوهُ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا تَقْتَضِي مَرْتَبَتُهُ كَمَا أَمَرَهُمْ الله تَعَالَى. وَهَذَا الحَدِيث دَلِيل لِتَفْضِيلِهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ. (٣)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي دَعْوَةٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ - وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ - فَنَهسَ مِنْهَا نَهْسَةً، وقَالَ: أنا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثم ذكر حديث الشفاعة، وفيه: فَيَأْتْونى، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَيُقالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ" (٤).

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِنِّي لأوَّلُ النَّاسِ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وَأُعْطَى لِوَاءَ الحَمْدِ وَلا فَخْرَ، وَأنا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ


(١) مسلم (٢٢٧٨).
(٢) الترمذي (٣١٤٨)، (٤٣٠٨)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٣٤٧٧)، وقال: بعضه عند مسلم (١٩٤).
(٣) شرح النووي (٨/ ٤٢: ٤٣).
(٤) البخاري (٣٣٤٠)، ومسلم (١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>