كتاب موسوعة محاسن الإسلام ورد شبهات اللئام

٢٨ - شبهة: حول قوله تعالى: {ووجدك ضالا فهدى}. - الوجه الثالث: السورة كلها منقبة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويظهر هذا من الإشارة إلى معانيها. - ج: 8 - ص: 444

قال السعدى: أي: ما تركك منذ اعتنى بك، ولا أهملك منذ رباك ورعاك، بل لم يزل يربيك أحسن تربية، ويعليك درجة بعد درجة، {وَمَا قَلَى} الله أي: ما أبغضك منذ أحبك، فإنَّ نفيَ الضد دليل على ثبوت ضده، والنفي المحض لا يكون مدحًا إلا إذا تضمن ثبوت كمال، فهذه حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - الماضية والحاضرة؛ أكمل حال وأتمها محبة الله له واستمرارها، وترقيته في دَرَج الكمال، ودوام اعتناء الله به.

وأما حاله المستقبلة، فقال: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} أي: كل حالة متأخرة من أحوالك، فإن لها الفضل على الحالة السابقة، فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - يصعد في درج المعالي ويُمكن له الله دينه، وينصره على أعدائه، ويسدد له أحواله حتى مات، وقد وصل إلى حال لا يصل إليها الأولون والآخرون، من الفضائل والنعم، وقرة العين، وسرور القلب. ثم بعد ذلك، لا تسأل عن حاله في الآخرة، من تفاصيل الإكرام، وأنواع الإنعام، ولهذا قال: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وهذا أمر لا يمكن التعبير عنه بغير هذه العبارة الجامعة الشاملة (١).

وفيها قال علي والحسن: (هو الشفاعة في أمته حتى يرضى) (٢)،

وقال غيرهما: يعطيه حتى يرضيه في أمته، وفيما أعدَّه له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، وطينه من مسك أذفر ويعطيه المقام المحمود والفردوس الأعلى إلى غير ذلك من الإنعام والعطاء (٣).

وعلى هذا يتبين أن ما بعد جواب القسم: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} إلى آخر السورة ما هو إلا تفصيل وتوضيح وتدليل على أن الله ما ودعه وما قلاه والقرآن يفسر بعضه بعضًا (٤).

---

(١) تفسير السعدي (١/ ٩٢٨).
(٢) "زاد المسير" لابن الجوزي (٩/ ١٥٧).
(٣) انظر تفسير ابن كثير (٤/ ٦٧٤)، وفتح القدير للشوكاني (٥/ ٦٤٩).
(٤) ومزيد بيان لذلك: فإن السورة التي جاءت بعد سورة الضحى وهي الشرح كالتتميم لهذه السورة، فلا زالت الطمأنينة تنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال جلَّ جلاله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)}، وقال: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)}؛ يقول الشيخ السعدي في تفسيره: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من =