للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا: الحديث: كتب أبو بكرة إلى ابنه وكان بسجستان بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقضينَّ حكَم بين اثنين وهو غضبان" (١).

ثانيًا: معنى الحديث:

فيه النهي عن القضاء في حال الغضب قال العلماء ويلتحق بالغضب كل حال يخرج الحاكم فيها عن سداد النظر واستقامة الحال كالشبع المفرط والجوع المقلق والهم والفرح البالغ ومدافعة الحدث وتعلق القلب بأمر ونحو ذلك وكل هذه الأحوال يكره له القضاء فيها خوفًا من الغلط (٢).

وكأن الحكمة في الاقتصار على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره ... فإنه لما نهى عن الحكم حالة الغضب فهم منه أن الحكم لا يكون إلا في حالة استقامة الفكر فكانت علة النهي المعنى المشترك وهو تغير الفكر والوصف بالغضب يسمى علة بمعنى أنه مشتمل عليه فالحق به ما في معناه كالجائع قال الشافعي في الأم أكره للحاكم أن يحكم وهو جائع أو تعب أو مشغول القلب فإن ذلك يغير القلب.

وسبب النهي: أن الحكم حالة الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق فمنع وبذلك قال فقهاء الأمصار وقال بن دقيق العيد فيه النهي عن الحكم حالة الغضب لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه قال وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر وهو قياس مظنة على مظنة. (٣)

قَالَ الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -: وَمَعْقُولٌ قَوْلِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - "لَا يَحْكُمُ الحاكِمُ وَلا يَقْضِي الْقَاضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ" أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حِينَ يَحْكُمُ فِي حَالٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهَا خُلُقُهُ وَلَا عَقْلُهُ، وَالحْاكِمُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ فَأَيُّ حَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ تَغَيَّرَ فِيهَا عَقْلُهُ أَوْ خُلُقُهُ انْبَغَى لَهُ أَنْ لَا


(١) البخاري (٦٧٣٩)، ومسلم (١٧١٧).
(٢) شرح مسلم للنووي ١٢/ ١٥.
(٣) فتح الباري شرح صحيح البخاري ١٣/ ١٣٧ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>