للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّاحَة فَفَارِقْهَا، وَإِنْ أَرَدْت خِلَاف ذَلِكَ فَابْحَثْ عَنْ حَقِيقَة الْأَمْر إِلَى أَنْ تَطَّلِعَ عَلَى بَرَاءَتَهَا. لِأَنَّهُ كَانَ يعلم أَنَّ بَرِيرَةَ لَا تُخْبِرهُ إِلَّا بِمَا عَلِمَتْهُ، وَهِيَ لَمْ تَعْلَم مِنْ عَائِشَة إِلَّا الْبَرَاءَة المَحْضَة (١).

قلت: فيبدو مما مر أن عليًّا رجح النظر إلى جانب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق عنده موضع للدفاع عن عائشة في البداية. ثم عاد للدفاع عنها عندما قال (وَسَلْ الجارِيَة تَصْدُقْك). ولا يشك منصف في أن عليًّا - رضي الله عنه - لم يقصد الإساءة إلى عائشة بهذه المشورة؛ لأنه يعلم أن الإساءة إليها إساءة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وما الغم والهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بسبب هذا الكلام. أفيعقل أن يشارك فيه علي وهو يريد أن يسري الهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! .

٦ - وقوله سوء الظن الناشئ عن معرفته بسوابق أحوال عائشة، وأنه عرف ذلك من الجارية.

فالجواب عنه من وجهين:

الأول: أن الجارية قالت (لا أعلم عليها إلا خيرًا) وتعجبت من تهمة عائشة بذلك. (٢)

الثاني: إن عائشة على أصح الأقوال كان سنها في حديث الإفك اثني عشر سنة.

فأي السوابق فعلتها عائشة قبل هذا السن؟ ولعله يذكر اعتراضه من قليل على زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها في التاسعة. فكيف يقول في التاسعة والعاشرة طفلة؟ والآن يقول إن لها سوابق؟ ! .

قوله: وهذا الظن السيئ ترافق مع سوء العلاقة بين فاطمة وعائشة، وإنه في هذه الحالة كانت أشباح فاطمة هي التي كانت تضرب الجارية بيد علي - وأنه كان يتمنى طرد عائشة من بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنها كانت هي وفاطمة في شقاق دائم.

والجواب علي هذا:

١ - سبق الجواب في الفقرة السابقة أن سوء ظن علي - رضي الله عنه - في عائشة لا أصل له.

٢ - أما سوء العلاقة بين فاطمة وعائشة فهذه فرية من أعظم الفرى.

ومن الأدلة حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة: "ألَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ فَقَالَتْ: بَلَى. قَالَ: "فَأَحِبِّي هَذِهِ - يعني عائشة -" (٣). فلو لم تكن فاطمة تحب عائشة لكانت غير صادقة في قولها (بلى)، ولكانت عاصية لأبيها في قوله "فَأَحِبِّي هَذِهِ". وليست كذلك فاطمة - رضي الله عنها -.


(١) فتح الباري (٨/ ٣٣٤).
(٢) انظر فتح الباري (٨/ ٣٣٥).
(٣) مسلم (٢٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>