للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُصَلِّى حَتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَاكَ لا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. قَالَ "فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ". (١)

فهذا الحديث صريح في السبب الذي تأخر لأجله صفوان. قال ابن القيم بعد ذكر هذا الحديث: وَلِهَذَا صَادَفَ أُمَّ المؤْمِنِينَ فِي قِصةِ الْإِفْكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا الحدِيثَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ (وَالله مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ) فَإِنَّهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكْشِفْ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ، ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَ ذَلِكَ (٢).

لكنهم استخرجوا منه شبهة أخرى وهي شدة الشبق عند صفوان لأنه يفطر امرأته إذا صامت مما يسهم في أن يكون سببا لحادث الإفك:


(١) حديث صحيح، وقال الحويني في تخريج هذا الحديث: صحيح أخرجه أبو داود (٢٤٥٩)، وأحمد (٣/ ٨٠)، وكذا ابنهُ عبد الله في زوائده على المسند في ذات الموضع، وابن حبان (٩٥٦) عن أبى يعلى، وهذا "مسنده" (ج ٢/ رقم ١٠٣٧، ١١٧٤)، والطحاوي "مشكل الآثار" (٢/ ٤٢٤)، والحاكم (١/ ٤٣٦) والبيهقي (٤/ ٣٠٣)، وابن عساكر "تاريخ دمشق" (ج ٨/ ل ٣٤٩ - ٣٥٠) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبى سعيد الخدري، قال وذكره، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وصحح إسناده الحافظ في الإصابة (٣/ ٤٤١)، وقد صرح الأعمش بالتحديث عن أبى صالحٍ عند ابن سعدٍ في الطبقات كما قال الحافظُ "الفتح" (٨/ ٤٦٢). أما من أنكره فهو مسبوق إليه. فقد قال الحافظ في الإصابة" (٣/ ٤٤١): إن البخاري أورد هذا الإشكال قديمًا.
ولما روى البراز هذا الحديث في مسنده قال: هذا الحديث كلامه منكر، ولعل الأعمش أخذه من غير ثقةٍ فدلسه فصار ظاهر سنده الصحة، وليس للحديث عندي أصل ..
وخلاصة الإشكال أن صفوان بن المعطل لا رمى بعائشة رضى الله عنها في حديث الإفك المشهور في الصحيحين، وغيرهما قال: (سبحان الله! والله ما كشفتُ كنف أُنثى قط).
فيكون حديث أبى سعيد هذا منكرًا إذ فيه أن لصفوانَ زوجة، فكيف يقول: والله ما كشفت كنف أنثى قط؟ فلهذا استشكله البخاري وأنكره البراز، ولكن يجاب عنه بأن الجمع أولى من الترجيح، فالأصل في الدليلين الصحيحين الإعمال لا الإهمال، والجمع هنا ممكن، بل ظاهر وهو أن يكون حديث أبي سعيد هذا متأخرًا عن حادثة الإفك.
فُيحمل قوله: ما كشفت كنف أنثى قط على أنه لم يكن تزوج آنذاك، ثم تزوج بعد ذلك فشكته امرأتهُ وبهذا أجاب الحافظ، فالذي يظهر أن مراده بالنفي المذكور ما قبل القصة، ولا مانع أن يتزوج بعد ذلك، فهذا الجمعُ لا اعتراض عليه إلا بما جاء عن ابن إسحاق أنه كان حصورًا لكنه لم يثبت، فلا يعارض الحديث الصحيح" انتهى من الفتاوى الحديثية للحويني.
(٢) إعلام الموقعين (٤/ ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>