للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين. (١)

قلت: فقد اتضح من خلال التعريف السابق أن الإنسان قد يعتقد اختصاصه بأمر ما فيرى أن مشاركة غيره فيه اعتداء على حقه، ولهذا يتغير القلب وينزعج، وهذه الغيرة منها المحمود والمذموم، ومنها الفطري الذي لا تؤاخذ عليه المرأة.

فالمحمود ما قاد صاحبه إلى كل خير وكفه عن الشر ووقف فيه الإنسان عند حدود الله تعالى.

والمذموم ما حمل صاحبه على تعدي حدود الله تعالى، وتسبب في سوء الظن أو قام عليه، ومن الفطري غيرة المرأة على زوجها وقد كرمها الإسلام بأن قبل منها ذلك وعذرها عليه، ولكنه لم يأذن لها في تخطي الحدود بسبب هذا النوع من الغيرة حتى لو كان فطريًا.

قال ابن أبي حجلة في ديوان الصبابة: هذا باب عقدناه لذكر غيرة المحب على المحبوب حتى من نفسه وأبناء جنسه، والمحبون فيها نوعان، والمضروبون بسوطها ضربان: فالأول يحبه الله ورسوله ويتم به للمحب رسوله، والثاني مذموم وصاحبه ملوم، فالنوع المحبوب منها أن يغار عند قيام الريبة، والنوع المذموم أن يغار من غير ريبة؛ بل من مجرد سوء الظن، وهذه الغيرة تفسد المحبة ولا تترك منها حبة؛ لأنها توقع العداوة بين المحب والمحبوب، وربما حملته على الوقوع فيما اتهمه به ويترتب عليها مفاسد كثيرة مما يؤدي إلى فساد الصورة والحكايات في هذا الباب مشهورة (٢).

وقال عبد الله بن شداد: الغيرة غيرتان؛ غيرة يصلح بها الرجل أهله، وغيرة تدخل النار. (٣)

وقال ابن القيم: وأما الغيرة على المحبوب فإنما تحمد حيث يحمد الاختصاص بالمحبوب ويذم الاشتراك فيه شرعًا وعقلًا؛ كغيرة الإنسان على زوجته، وأمته، والشيء الذي يختص هو به، فيغار من تعرض غيره لذكره ومشاركته له فيه، وهذه الغيرة تختص


(١) فتح الباري ٩/ ٣٢٠.
(٢) أخرجه أبو داود (٢٦٥٩)، والنسائي (٢٥٥٨)، وأحمد (٥/ ٤٤٥)، والدارمي (٢٢٢٦)، من حديث جابر بن عتيك؛ وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في الإرواء (١٩٩٩).
(٣) ديوان الصبابة ١/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>