وقد تتبع المحققون هذه النصوص، فأبطلوا استدلال النصارى بها، وبينوا سوء فهمهم لها. فأما ما جاء من ألفاظ دلت على أن المسيح قد حل فيه الله - على ما فهمه النصارى - فإن فهمهم لها مغلوط؛ ذلك أن المراد بالحلول حلول مجازي كما جاء في حق غيره بلا خلاف، ونقول مثله في مسألة الحلول في المسيح.
فالله - حسب الكتاب المقدس - يحل في كثيرين، أي حلول المواهب الإلهية، لا حلول ذاته العلية التي تتنزه عن الحلول في المخلوقات المحدودة، فقد جاء في رسالة يوحنا" مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي الله. ١٦ وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا المْحَبَّةَ الَّتِي لله فِينَا. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي المحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي الله وَاللهُ فِيهِ."(يوحنا ٤/ ١٥ - ١٦)، فحلولَ الله في الذين اعترفوا بالمسيح ليس بحلول ذوات، وإلا كانوا جميعًا آلهة.
ومثله؛ فإن الله يحل مجازًا في كل من يحفظ الوصايا ولا يعني ذلك ألوهيتهم، ففي رسالة يوحنا:"ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه، وهو فيه، وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا"(يوحنا (١) ٣/ ٢٤)، فليس المقصود تقمص الذات الإلهية لهؤلاء الصالحين، بل حلول هداية الله وتأييده عليهم.
وكذا الذين يحبون بعضهم لله؛ فإن الله يحل فيهم برحمته، لا بذاته "إن أحب بعضنا بعضًا فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكملت فينا، بهذا نعرف أننا نثبت فيه، وهو فينا"(يوحنا (١) ٤/ ١٢ - ١٣).
وكما في قوله عن التلاميذ:"أنا فيهم، وأنت في"(يوحنا ١٧/ ٢٢). ومثله يقول بولس عن المؤمنين:"فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ الله الحْيِّ، كَمَا قَال الله: "إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا." (كورنثوس (٢) ٦/ ١٦)، ويقول: "وأما أنتم فجسد المسيح" (كورنثوس (١) ١٢/ ٢٧)، فالحلول في كل ذلك مجازي. فقد أفادت هذه النصوص - بحسب زعمهم - حلولًا إلهيًا في كل المؤمنين، وهذا الحلول هو حلول