للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن عروةَ بنِ الزبير -رحمه الله- أنَّ المِسْوَرَ بنَ مخَرَمَةَ أخبره: أنه قدم على معاويةَ أميرِ المؤمنين فقضى حاجتَه، ثم دعاه، فقال: يا مِسْوَرُ، ما فَعَلَ طعنُك على الأئمةِ؟ قال المِسوَرُ: دعنا من هذا وأحسِنْ فيما قدِمنا له. قال معاويةُ: لا أدعُك حتى تَكَلَّمَ بذاتِ نفسِكَ والذي تعيبُ عليَّ. قال المسورُ: فلم أدعْ شيئًا أعيبُه عليه إلا بَيَّنْتُه. فقال معاويةُ: لا أَبْرَأُ من الذنبِ، فهل تعُدُّ لنا يا مسورُ مما نلي من الإصلاحِ شيئًا؟ فإنَّ الحسنةَ بعشرةِ أمثالها، أم تَعُدُّ الذنوبَ وتتركُ الإحسانَ. قال المسورُ: لا، والله ما نذكرُ إلا ما نرى من هذه الذنوبِ! فقال معاويةُ: فإنَّا نعترفُ بكل ذنبٍ أذنبناه، فهل لكَ يا مسورُ ذنوب في خاصتِك تخشى أن تُهلِكَكَ إنْ لم يغفرْها اللهُ لك؟ قال المسورُ: نعم. قال معاويةُ: فما يجعلُك بأحقَّ برجاءِ المغفرةِ مني، فو الله لما ألي من الإصلاحِ أكثرُ مما تلي، ولكني والله لا أُخَيَّرُ ما بين أمرين من اللهِ وغيرِه إلا اخترتُ اللهُ على ما سواه، وإني لعلى دينٍ يُقْبَلُ فَيه العملُ ويُجزَى فيه بالحسناتِ ويجزى فيه بالذنوبِ إلا أن يعفوَ اللهُ عنها، وإني لأحتسبُ كلَّ حسنةٍ عَمِلْتُها بأضعافِها من الأجرِ، وإني لألي أمورًا عظامًا لا أُحصيها ولا يُحصيها من عمِل لله بها في الدنيا، إقامةُ الصلواتِ للمسلمين، والجهادُ في سبيلِ الله، والحكمُ بما أنزلَ اللهُ، وَالأمورُ التي لستُ أُحصيها -يقصدُ ذنوبَه-وإن عددتَها -أيَ: يا مسورُ- فتكفَّرُ في ذلك؟ أي يُكَفِّرُها ما تقدمَ من الحسناتِ. قال المسورُ: فعَرَفْتُ أنَّ معاويةَ قد خَصَمَنِي حينما ذكرَ ما قالَ. قال عروةُ: فلم أسمعْ المسورَ بعدُ يذكرُ معاويةَ إلا صَلَّى عليه؛ أي: دعا له. (١)

عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ قالَ: أَوْتر معاويةُ بعدَ العشاءِ بركعةٍ وعندَه مولًى لابنِ عباسٍ، فأتى ابنَ عباسٍ فقال: دعْه فإنه صَحِبَ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. (٢) وفي روايةٍ أخرى قال: أصابَ إنه فقيهٌ. (٣)


(١) صحيح. أخرجه عبد الرزاق (١١/ ٣٤٤) عن معمر، وأخرجه ابن سعد في الجزء المتمم برقم (٤٤) عن صالح بن كيسان. كلاهما (معمر، وصالح بن كيسان) عن ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير. وهذا إسناد صحيح.
(٢) البخاري (٣٥٥٣).
(٣) البخاري (٣٥٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>