للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاخرج منها فإني لك لمن الناصحين، والسلام. وبعث إليه عمروٌ أيضًا بكتاب معاوية إليه أما بعد: فإن غب البغي، والظلم عظيم الوبال، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة، وإنا لا نعلم أحدًا كان أشد خلافًا على عثمان منك حين تطعن بمشاقصك بين حشاشته وأوداجه، ثم إنك تظن أني عنك نائم، أو ناس ذلك لك حتى تأتي فتأمر على بلاد أنت بها جاري، وجل أهلها أنصاري، وقد بعثت إليك قومًا حناقا عليك يستسقون دمك، ويتقربون إلى الله بجهادك، وقد أعطوا الله عهدًا ليمثلن بك ولو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذرتك، ولا أنذرتك، ولأحببت أن يقتلوك بظلمك، وقطيعتك، وعدوك على عثمان يوم تطعن بمشاقصك بين حشائشه وأوداجه، ولكن أكره أن أمثل بقرشي، ولن يسلمك الله من القصاص أبدًا أينما كنت، والسلام (١).

ولنفس هذا السبب قتله معاوية بن حديج لما ظفربه: فإنه لما هُزِمَ، وفر عنه أصحابه رجع يمشي، فرأى خربة فأوى إليها، ودخل عمرو بن العاص فسطاط مصر، وذهب معاوية بن حديج في طلب محمد بن أبي بكر، فمر بعلوجٍ في الطريق، فقال لهم: هل مر بكم أحد تستنكرونه؟ قالوا: لا، فقال رجل منهم: إني رأيتُ رجلًا جالسًا في هذه الخربة، فقال: هو هو وربِّ الكعبة، فدخلوا عليه فاستخرجوه منها -وقد كاد يموت عطشًا- فانطلق أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان قد قدم معه إلى مصر فقال: أيُقتَلُ أخي صبرًا؟ فبعث عمرو بن العاص إلى معاوية بن حديج أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر، ولا يقتله، فقال معاوية: كلا والله، أيقتلون كنانةَ بنَ بشرٍ، وأترك محمد بن أبي بكر، وقد


(١) البداية والنهاية (٧/ ٣١٥)، وأخرجه الطبري (٣/ ١٢٨) وما بعدها فقال: قال أبو مخنف حدثني أبو جهضم الأزدي رجل من أهل الشام عن عبد الله بن حوالة الأزدي به مطولا، وفي المتن زيادات منكرة وشتائم من علي مثل قوله لعاوية الفاجر بن الفاجر وكذا لعمرو ولعلها من زيادات أبي مخنف، وقد حذفها ابن كثير في البداية والنهاية؛ لأن أمثال هذه الكلمات تتنافى مع أخلاق الصحابة -رضي الله عنهم- وعلى فرض صحة ذلك فقد جرى بينهم ما هو أكبر وهو سفك الدماء وتلك فتنة طهر الله منها أيدينا فنعوذ بالله أن تخوض فيها ألستنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>