وكتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزدي: (بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن الله تعالى بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، ومنّةً على المؤمنين، وكافةً إلى الناس أجمعين {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} فبلغ رسالات الله، وقام على أمر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وإن، حتى أظهر الله به الحق، ومحق به الشرك، ونصر به المؤمنين، وأعز به العرب، وشرف به قريشًا خاصة، فقال تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: ٤٤] فلما توفي -صلى الله عليه وسلم- تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد -صلى الله عليه وسلم- في الناس وحقه، فرأت العرب أن القول كما قالت قريش، وأن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- فأنعمت لهم العرب، وسلمت ذلك، ثم حاججنا نحن قريشًا بمثل ما حاجت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأولياءه إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم باعدونا، واستولوا بالاجتماع على ظلمنا، ومراغمتنا، والعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الولي النصير.
وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا، وسلطان نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزًا يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الله خيبك وسترد فتعلم لمن عقبى الدار، تالله لتلقين عن قليل ربك، ثم ليجزينك بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
إن عليا -رضي الله عنه- لما مضى لسبيله يوم قبض، ويوم منَّ الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيًا - ولَّاني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله أن لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئًا ينقصنا به في الآخرة