ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم مقامه، أو يذب عن حريم المسلمين ذبه، ما عدلوا بذلك الأمر إلى غيره رغبة عنه، ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحًا للإسلام وأهله، فالله يجزيهم عن الإسلام، وأهله خيرًا.
وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم، وأبو بكر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو علمت أنك أضبط مني للرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدو، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلًا، ولكني قد علمت أني أطول منك ولاية، وأقدم منك لهذه الأمة تجربة، وأكثر منك سياسة، وأكبر منك سنًّا، فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فادخل في طاعتي، ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغًا ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت، ولك خراج أي كور العراق شئت، معونة لك على نفقتك، يجبيها لك أمينك، ويحملها إليك في كل سنة، ولك ألا أتولى عليك بالإساءة ولا تقضى دونك الأمور، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله -عزَّ وجل-، أعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام.
قال جندب: فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب معاوية قلت له: إن الرجل سائر إليك، فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في أرضه وبلاده وعمله، فإما أن تقدر أنه يتناولك فلا والله حتى يرى يومًا أعظم من يوم صفين، فقال: أفعل، ثم قعد عن مشورتي، وتناسى قولي.
قال: وكتب معاوية إلى الحسن بن علي: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فإن الله -عزَّ وجل- يفعل في عباده ما يشاء، {لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} فاحذر أن تكون منيتك على يد رعاع من الناس، وايئس من أن تجد فينا غميزة، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني، وفيت لك بما وعدت، وأجزت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وإن أحد أسدى إليك أمانة ... فأوف بها تدعى إذا مت وافيا
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى ... ولا تجفه إن كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت أولى الناس بها، والسلام.