للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحمل الحسن على سرير إلى المدائن، وبها سعد بن مسعود الثقفي واليًا عليها من قبله، وكان علي ولاه فأقره الحسن بن علي، فأقام عنده يعالج نفسه.

قال: ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحبوبية بمسكن، فأقبل عبد الله بن العباس حتى نزل بإزائه، فلما كان من غدٍ وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله ابن العباس فيمن معه، فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم، فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العباس أن الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلم الأمر إليَّ، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعًا، وإلا دخلت وأنت تابع، ولك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، يعجل لك في هذا الوقت النصف، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسل عبيد الله ليلًا، فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلي بهم، فلم يخرج حتى أصبحوا، فطلبوه، فلم يجدوه، فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فقال: أيها الناس، لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع -أي الجبان-؛ إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خيرٍ قط، إن أباه عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يقاتله ببدر، فأسره أبو اليسر كعب بن عمر الأنصاري، فأتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين، وإن أخاه ولاه علي أمير المؤمنين على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين، فاشترى به الجواري، وزعم أن ذلك له حلال، وإن هذا ولاه علي اليمن، فهرب من بسر بن أرطأة، وترك ولده حتى قتلوه، وصنع الآن هذا الذي صنع.

قال: فتنادى الناس: الحمد لله الذي أخرجه من بيننا، فانهض بنا إلى عدونا، فنهض بهم.

وخرج إليهم بسر بن أرطأة في عشرين ألفا، فصاحوا بهم: هذا أميركم قد بايع، وهذا الحسن قد صالح؛ فعلام تقتلون أنفسكم؟ فقال لهم قيس بن سعد بن عبادة: اختاروا إحدى اثنتين: إما القتال مع غير إمام، أو تبايعون بيعة ضلال، فقالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا، فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم. وكتب معاوية إلى قيس يدعوه، ويمنيه، فكتب إليه قيس: لا والله، لا تلقاني أبدًا إلا وبيني وبينك الرمح. فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>