أما الأول: فهو بعيد لأن الحسن - رضي الله عنه - كان بارًا بأبيه، ولا يخالفه، ولا يعصي أمره.
وأما الثاني: فبعيد أيضًا لأن الأولى بأمير المؤمنين أن يعرّف ولده ببغضه وكراهته لذلك ولا يعلن ذلك على المنبر أمام الجماهير الحاشدة، مما يسبب اضطراب في العلاقات الأسرية بين الوالد وولده، ويضاف إلى ذلك أن الأمر إما أن يكون سائغًا شرعًا، أو ليس بسائغ فإن كان سائغًا فما معنى نهي أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، وإن لم يكن سائغًا، فكيف يرتكبه الحسن؟ إنا لا نشك في افتعال هذا الحديث ووضعه من خصوم الحسن بن علي - رضي الله عنه - ليشوهوا بذلك سيرته العاطرة والتي توجت بمساعيه في وحدة الأمة، وهذه عادة الرواة الكذبة في تشويه سيرة المصلحين، وتاريخ الأمة.
٣ - ومما يؤيد افتعال تلك الكثرة لأزواجه ما روي أن الحسن بن علي - رضي الله عنه - لما وافاه الأجل المحتوم خرجت جمهرة من النسوة حافيات حاسرات خلف جنازته، وهن يقلن نحن أزواج الإمام الحسن. إن افتعال ذلك صريح واضح، فإنا لا نتصور ما يبرر خروج تلك الكوكبة من النسوة حافيات حاسرات، وهن يهتفن أمام الجماهير بأنهن زوجات الحسن، فإن كان الموجب لخروجهن إظهار الأسى والحزن، فما الموجب لهذا التعريف والسير في الموكب المزدحم بالرجال مع أنهن قد أمرن بالتستر وعدم الخروج من بيوتهن إن هذا الأثر، وأمثاله لا يصح، ولا يثبت من حيث الإسناد.
ومن الأخبار التي تدل على ذلك ما رواه محمد بن سيرين، أن الحسن - رضي الله عنه - تزوج بامرأة فبعث لها صداقًا مائة جارية مع كل جارية ألف درهم. ويستبعد أن يعطي الحسن بن علي - رضي الله عنه - هذه الأموال الضخمة مهرًا لإحدى زوجاته، فإن ذلك لون من ألوان الإسراف، والتبذير وهو منهي عنه في الإسلام وبالأخص لو قلنا بأنه أحصن هذه الأعداد التي سبقت وسبق بيان وضعها، فهذا الحديث.، وأمثاله من الموضوعات: تؤيد وضع كثرة الأزواج، وتزيد في الافتعال وضوحًا وجلاءً وعلى أي حال، فليس هناك دليل يثبت كثرة أزواج الحسن بن علي - رضي الله عنه - سوى تلكم الروايات، ونظرًا لما ورد عليها من الطعون فلا تصلح دليلًا للإثبات.