للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياة حافلة ذات مشاهد تستوقف الناظر المتتبع. هجرة من أرض بعيدة، وعيشة كفاف، وملازمة قوية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقتال الشرك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومحاربة الردة، ومشاركة في الفتوح، وتفان في الدفاع عن الخلافة، واعتزال الفتنة، وإذاعة لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبق إلا الإسراع للقاء رب العالمين. ثم يوصى فيقول: لَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا، وَلَا تتبعوني بِمِجْمَرٍ، وَأَسْرِعُوا بِي؛ فإني سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إذَا وُضِعَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ: قدموني قدموني، وإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السُّوءُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ: يَا ويْلَهُ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي". (١)

ودخل عليه مروان قبل لحظات موته فيقول: شفاك الله يا أبا هريرة، لكن أبا هريرة يحلق في أجواء أخرى، فلا يجيب مروان، ويلتفت لمناجاة ربه مناجاة الواثق الملئ اليدين بأفعال الخير المنتظر لرحمة ربه فيقول: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي.

يقول المقبري: فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة. (٢)

لكن ذكره الطيب سيبقى في قلوب المؤمنين إلى يوم القيامة.

واختلف في سنة وفاته: فقد ذكر خليفة بن خياط أن وفاته كانت سنة ٥٧ هـ، وكذا نقل البخاري وفاته عن هشام بن عروة، وتردد ابن حبان، فذكر أن وفاته كانت سنة ٥٧


(١) صحيح لغيره. أخرجه أحمد (٧٩١٤)، والبيهقي من طريق يزيد بن هارون، أحمد (١٠١٣٧) من طريق يحيى بن سعيد القطان وحجاج بن محمد المصيصى، وأحمد (١٠٤٩٣) من طريق محمد عبد الله بن الزبير، وأبو داود الطيالسي (٢٣٣٦)، ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (٤/ ٤٤٤)، والنسائي (٤/ ٤٠) وفي الكبرى (٢٠٣٥) من طريق عبد الله بن المبارك، وابن حبان (٣١١١)، من طريق يحيى بن آدم، وابن سعد في الطبقات (٤/ ٣٣٨)، من طريق معن بن عيسى، ومحمد بن إسماعيل بن فديك، ويزيد بن عمرو كلهم من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به. وإسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن مهران قال الذهبي: صدوق، وأخرج له مسلم في الصحيح. . . .. .، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وهو عند البخاري (١٣٨٠) ولفظه قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وُضِعَتْ الجنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ؛ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا ويلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ".
(٢) صحيح. أخرجه ابن سعد في الطبقات (٤/ ٣٣٩)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٦٧/ ٣٨٤، ٣٨٥) من طريق معن بن عيسى عن مالك بن أنس عن المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به.

<<  <  ج: ص:  >  >>