للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكَلُوا المُنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ. (خروج ١٦/ ٣٥)، فكاتب السفر أدرك انقطاع المنّ عن بني إسرائيل، وعرف أن مدة أكلهم للمنّ كانت أربعين سنة، وهو أمر لم يدركه موسى -عليه السلام-، فقد انقطع المنّ زمن يشوع وبعد وفاة موسى بزمن ليس بقليل، ففي سفر يشوع: فَحَلَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الجلْجَالِ ... فِي عَرَبَاتِ أَرِيحَا. وَأَكَلُوا مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ .. وَانْقَطَعَ المَنُّ فِي الْغَدِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ (يشوع ٥/ ١٠ - ١٢). فكيف يتحدث موسى عن أمر حدث بعد وفاته، وذلك حين دخلوا الأرض المقدسة مع النبي يشوع، ومن المهم التنبيه إلى أن الخبر عن الماضي، وليس إخبارًا بالغيب والمستقبل، لذا لا يمكننا أن نعتبره نبوءة من موسى -عليه السلام-. (١) لكن الطامة الكبرى أن يذكر خبر وفاة موسى عليه السلام وندب نبي إسرائيل له، وذلك في أسفار تنسب إلى موسى، فقد جاء في سفر التثنية: فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَدَفَنَهُ فِي الجوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَان قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلا ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ. فَبَكَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ ثَلاثِينَ يَوْمًا. فَكَمُلَتْ أَيامُ بُكَاءِ مَنَاحَةِ مُوسَى.

وتذكر الأسفار الخمسة أسماء كثيرة لمسميات لم يعرفها بنو إسرائيل إلا بعد موسى، ولم تسم بهذه الأسماء إلا بعد قرون من وفاة موسى، فكيف ذكرتها توراة موسى إذًا؟ .

ويعترف أيضًا في القرن التاسع عشر القس نورتن بعدم صحة نسبة الأسفار إلى موسى فيقول: التوراة جعلية يقينًا، ليست من تصنيف موسى. (٢)

وفي دائرة معارف القرن التاسع عشر: العلم العصري، ولاسيما النقد الألماني قد أثبت بعد أبحاث مستفيضة في الآثار القديمة، والتاريخ وعلم اللغات أن التوراة لم يكتبها موسى -عليه السلام-، وإنما هي من عمل أحبار لم يذكروا أسماءهم عليها، وألفوها على التعاقب


(١) الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف (٧٧).
(٢) في مقارنة الأديان، محمد عبد الله الشرقاوي (٧١ - ٧٥)، الغفران بين الإسلام والمسيحية، إبراهيم خليل أحمد (٤٤ - ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>