للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النساء: ٢٥).

ولا جرم أن هذا السياق من أول الآية إلى آخرها خاص بالنكاح الدائم فكان هذا مانعًا أن يقحم نكاح المتعة في وسطها ومانعًا أيضًا من الدلالة على ذلك لوحدة السياق الذي ينتظم وحدة الموضوع التي تتناولها الآيات بأحكامها، فالاستدلال بهذه الآية على جواز المتعة تكلف وتأويل للآية الكريمة تأويلًا مستكرهًا ويؤكد هذا النظر أنك لو أمعنت النظر في السابق واللاحق لوجدت أن قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ} مراد به الاستمتاع بالنكاح الصحيح المشروع لا هذا السفاح المتعة! ! لأن منطوق الآية من أوله إلى آخره في موضوع النكاح الدائم المشروع فقد ذكر اللَّه ثلاث مرات لفظة "النكاح" تارة بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} وثانية بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ}، وثالثة بقوله: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (النساء: ٢٥).

ولم يذكر المتعة ولا الإجارة فيصرف قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ} إلى النكاح، فحمل العبارة المتوسطة بقطع الكلام من السياق والسباق تحريف صريح لكلام اللَّه تعالى لأن العطف بالفاء مانع من قطع المعنى بعدها عما قبلها؛ فالفاء تربط ما بعدها بما قبلها وإلا تفكك النظم القرآني، فيتعين أن يكون قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ} منصرفًا إلى النكاح الدائم الصحيح لا إلى المتعة؛ لأن العطف يمنع هذا الانقطاع كما هو مبين في النحو، ولو كانت هذه الجملة لبيان المتعة لاختل نظم هذه الآيات الثلاث ولبقى الكلام الأول في أصل النكاح أبتر، ولبطل التفريع بالفاء وهذا غير صحيح لغة. (١)


(١) تحريم المتعة في الكتاب والسنة (١/ ٨٤: ٨٢)، وانظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (٢/ ٢٧٣)، وروح المعاني للآلوسي (٥/ ٦)، وأضواء البيان للشنقيطي (١/ ٢٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>