قال الحكيم سوزني: كتاب خويش نخوانيم وزو عمل نكنيم كه تا كزيت ستانند خودز أهل كتاب.
وقال النظامي: كهش قيصر كزيت دين فرستد كهش خاقان خراج جبن فرستد.
ونقول: لما ثبت من تصريحاتهم (وهم أعرف بلسانهم) وهي فارسية، فإما أن يقال:
إنها عربية أيضًا كما هو شأن توافق اللغات، وذلك احتمال بعيد لا يُلجأ إلى أمثاله إلا عند ضرورة محوجة.
وإما أن يقال: إنها فارسية الأصل، وإنما سبيله في تداوله عند العرب سبيل الدعي والدخيل في القوم.
وهذا الاحتمال تعاضده قرائن وأمارات: منها: العرب خالطوا العجم قديمًا وعاشروهم، فأغاروا على جانب عظيم من لغتهم واستباحوها وتصرفوا فيها كيف ما شاءوا ولعبوا بها كل ملعب.
وذلك كالكوز، والإبريق، والطست، والخوان، والقصعة، وغيرها مما أحصاها الثعالبي في كتابه فقه اللغة، فليس من المستنكر أن تكون الجزية أيضًا من جملتها.
ومنها: أن العرب كانوا قبل الإسلام أصحاب البؤس والشقاء، رعاة الإبل والشاء، وما ملكوا أرضًا ولا استعبدوا قومًا.
فلم يتفق لهم وضع الألفاظ في زاء المعاني التي هي من مختصات المدنية والعمران، ولذلك لا تجد في كلام العرب العرباء ألفاظًا تقوم مقام الوزير، والصاحب، والعامل، والتوقيع، والدست، وغيرها، ولما كانت الجزية أيضًا من خصائص الملكية كفوا مؤنة وضع لفظ بإزائها، ومنها: أن الحيرة (وكانت منازل آل نعمان) كانت تدين للعجم وتؤدي إليهم الإتاوة والخراج.
ولما كان (كسرى أنوشروان) هو الذي سن الجزية أولًا -كما نبينه فيما سيأتي- فيغلب على الظن أن العرب أول ما عرفوا الجزية في ذاك العهد وتعاوروا اللغة العجمية بعينها.