قال الطبري: وكان ملوك فارس يأخذون من كور من كورهم قبل ملك كسرى أنوشروان في خراجها الثلث ومن كور الربع، ومن كور الخمس، ومن كور السدس على قدر شربها، وعمارتها، ومن جزية الجماجم شيئًا معلومًا فأمر الملك (قباذ بن فيروز) في آخر ملكه بمسح الأرض سهلها وجبلها ليصح الخراج عليها فمسحت غير أن (قباذ) هلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة حتى إذا ملك ابنه كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون والجماجم، ثم أمر كتابه فاستخرجوا جمل ذلك وأذن للناس إذنًا عامًا، وأمر كاتب خراجه أن يقرأ عليهم الجمل التي استخرجت من أصناف غلات الأرض وعدد النخل والزيتون والجماجم، فقرأ ذلك عليهم، ثم قال لهم كسرى: إنا قد رأينا أن نضع على ما أحصي من جربان هذه المساحة من النخل والزيتون والجماجم وضائع، ونأمر بإنجامها في السنة في ثلاثة أنجم ونجمع في بيوت أموالنا من الأموال ما لو أتانا عن ثغر من ثغورنا أو طرف من أطرافنا فتق أو شيء نكرهه، واحتجنا إلى تداركه أو حسمه ببذلنا فيه مالًا كانت الأموال عندنا معدة موجودة، ولم نرد استئناف اجتبائها على تلك الحال، في ترون فيما رأينا من ذلك وأجمعنا عليه؟ .
فلم يشر عليه أحد منهم فيه بمشورة، ولم ينبس بكلمة، فكرر كسرى هذا القول عليهم ثلاث مرات، فقام رجل من عرضهم وقال لكسرى: أتضع أيها الملك عمرك اللَّه الخالد من هذا الخراج على الفاني من كرم يموت، وزرع يهيج، ونهر يغور، وعين أو قناة ينقطع ماؤها، فقال له كسرى: يا ذا الكلفة المشؤوم، من أي طبقات الناس أنت؟ قال: أنا رجل من الكتاب، فقال كسرى: اضربوه بالدوي حتى يموت، فضربه بها الكتاب خاصة تبرؤا منهم إلى كسرى من رأيه وما جاء منه حتى قتلوه، وقال الناس: نحن راضون أيها الملك بما أنت ملزمنا من خراج، وإن كسرى اختار رجالًا من أهل الرأي والنصيحة فأمرهم بالنظر في أصناف ما ارتفع إليه من المساحة، وعدة النخل، والزيتون، ورؤوس أهل الجزية، ووضع الوضائع على ذلك بقدر ما يرون أن فيه صلاح رعيته ورفاعة معاشهم، ورفعه إليه فتكلم كل امرئ منهم بمبلغ