للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعظم المفسدتين هنا هو أن يموت على الكفر، ويغلق باب الإيمان، وأقلهما أن تقبل منه الجزية رجاء الإسلام منه أو من ذريته، وأعظم المصلحتين هنا هي إسلامه ونجاته من النار، وأقلهما هي قتله على الكفر.

ومن خلال هذا التأصيل يعلم الجواب عن سؤال بعض الملحدين الطاعنين في القرآن حيث قال: إن القرآن ذكر في تعظيم كفر النصارى قوله: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢)} (مريم: ٩٠ - ٩٢) فبين أن إظهارهم لهذا القول بلغ إلى هذا الحد، ثم إنه لما أخذ منهم دينارًا واحدًا قررهم عليه وما منعهم منه؟

والجواب ما سبق تقريره، وخلاصته: ليس المقصود من أخذ الجزية تقريره على الكفر، بل المقصود منها حقن دمه وإمهاله مدةً رجاء أنه ربما وقف في هذه المدة على محاسن الإسلام وقوة دلائله، فينتقل من الكفر إلى الإيمان. (١)

وأجاب ابن العربي عن هذا السؤال بما حاصله ما مر، وهذا نص كلامه لما فيه من فائدة: قال: لو قتل الكافر ليئس من الفلاح، ووجب عليه الهلكة، فإذا أعطى الجزية وأمهل لعله أن يتدبر الحق ويرجع إلى الصواب، لا سيما بمراقبة أهل الدين والتدرب بسماع ما عند المسلمين، ألا ترى أن عظيم كفرهم لم يمنع من إدرار رزقه سبحانه عليهم.

وقد قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من اللَّه يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم". (٢)

وقد بين علماء خراسان هذه المسألة، فقالوا: إن العقوبات تنقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما فيه هلكة المعاقب.

والثاني: ما يعود بمصلحة عليه من زجره عما ارتكب، ورده عما اعتقد وفعل.


(١) مفاتيح الغيب للرازي (١/ ٢٢٠١)، وأحكام القرآن للجصاص (٤/ ٢٩٨).
(٢) أخرجه البخاري (٦٩٤٣)، ومسلم (٢٤٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>