للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القرافي: إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقًا علينا لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا (حمايتنا) وذمتنا وذمة اللَّه تعالى، وذمة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيع ذمة اللَّه وذمة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذمة دين الإسلام (١).

وواصل المسلمون بهدي من دينهم عطاءهم الحضاري حين تحولوا من آخذين للجزية إلى باذلين للمال رعاية وضمانًا للفقراء من أهل الذمة، فقد روى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن الخطاب رأى شيخًا كبيرًا من أهل الجزية يسأل الناس فقال: ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير. (٢) وكان مما أمر به -رضي اللَّه عنه-: من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه (٣).

وأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه (٤). أما إذا امتنع الذمي عن دفع الجزية مع القدرة عليها فإنه يعاقب، من غير أن تنقض ذمته.

يقول القرطبي: وأما عقوبتهم إذا امتنعوا عن أدائها مع التمكين فجائز، فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم، لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه، ولا يكلف الأغنياء أداءها عن الفقراء (٥).

لقد أدرك فقهاء الإسلام أهمية عقد الذمة وخطورة التفريط فيه، وأنه لا ينقض بمجرد الامتناع عن دفع الجزية.


(١) الفروق (٣/ ١٤).
(٢) الأموال (١/ ١٦٣).
(٣) تاريخ مدينة دمشق (١/ ١٧٨).
(٤) الأموال (١/ ١٧٠).
(٥) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ٧٣ - ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>