أسرى المسلمين الذين كانوا في حامية عكا، وقد لقيت زوجات وأطفال الأسرى مصرعهم إلى جوارهم. فأي سلام يحمله هؤلاء؟ ؟ ؟
فقد أمَّنَهم الإسلام على أنفسهم لكنهم لا يعرفون معنًى للقيم والعهد والسلام. ومع ما فعله الصليبيون في القدس، فإننا نرى رحمة الإسلام ومسامحته حتى مع هؤلاء الظلمة، فقد وصف المؤرخون ما حدث في اليوم الذي دخل فيه صلاح الدين الأيوبي إلى القدس فاتحًا لم ينتقم أو يقتل أو يذبح، بل اشتهر المسلمون الظافرون في الواقع بالاستقامة والإنسانية. فبينما كان الصليبيون منذ ثمانٍ وثمانين سنة يخوضون في دماء ضحاياهم المسلمين لم تتعرض أي دار من دور بيت المقدس للنهب، ولم يحل بأحد من الأشخاص مكروه إذ صار رجال الشرطة يطوفون بالشوارع والأبواب تنفيذًا لأمر صلاح الدين لمنع كل اعتداء يحتمل وقوعه على المسيحيين، وقد تأثر الملك العادل لمنظر بؤس الأسرى فطلب من أخيه صلاح الدين إطلاق سراح ألف أسير، فوهبهم له فأطلق العادل سراحهم على الفور، وأعلن صلاح الدين أنه سوف يطلق سراح كل شيخ وكل امرأة عجوز.
وأقبل نساء الصليبيين وقد امتلأت عيونهن بالدموع، فسألن صلاح الدين ماذا يكون مصيرهن بعد أن لقي أزواجهن أو آباؤهن مصرعهم، أو وقعوا في الأسر؟ فأجاب صلاح الدين: بأن وعد لإطلاق سراح كل من في الأسر من أزواجهن، وبذل للأرامل واليتامى من خزانته العطايا كل بحسب حالته، فكانت رحمته وعطفه نقيض أفعال الصليبيين الغزاة.
أما بالنسبة لرجال الكنيسة أنفسهم وعلى رأسهم بطريرك بيت المقدس، فإنهم لم يهتموا إلا بأنفسهم، وقد ذهل المسلمون حينما رأوا البطريرك هرقل وهو يؤدي عشرة دنانير (مقدار الفدية المطلوبة منه) ويغادر المدينة وقد انحنت قامته لثقل ما يحمله من الذهب، وقد تبعته عربات تحمل ما بحوزته من الأموال والجواهر والأواني النفيسة.
ولو نظرنا إلى عصرنا الحاضر لما احتجنا كثيًرا لقراءة التاريخ. فالتاريخ أسود والواقع أشد سوادًا، فما يزالون يحملون أحقادهم ضد المسلمين في كل مكان وضد الإنسانية التي