للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الأصفهاني: فالحرية ضربان: الأول: من لم يجر عليه حكم الشيء نحو: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} والثاني: من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية، وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار"، وقول الشاعر: ورقُّ ذوي الأطماع رق مخلد. وقيل: عبد الشهوة أذل من عبد الرق. والتحرير جعل الإنسان حرًا، فمن الأول: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ومن الثاني {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} قيل هو أنه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله -عز وجل-: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} بل جعله مخلصًا للعبادة، ولهذا قال الشعبي معناه مخلصًا. وقال مجاهد: خادمًا للبيعة، وقال جعفر: معتقًا من أمر الدنيا، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد، وحررت القوم أطلقتهم وأعتقتهم عن أسر الحبس، وحر الوجه ما لم تسترقه الحاجة، وحر الدار وسطها. (١)

قال الرازي: وفي وجه آخر لتفسير قوله تعالى {فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)}: وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يتكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة؛ فهي الحرية الكبرى، ويتخلص بها من النار (٢).

قال الإمام ابن القيم:

هربوا من الرق الذي خلقوا له ... فبلوا برق النفس والشيطان

لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم ... فقد ارتضوا بالذل والحرمان. (٣)

فمن ثمرات الشهادتين: تحرير القلب والنفس من الرق للمخلوقين، والاتباع لغير المرسلين (٤).


(١) المفردات في غريب القرآن (١/ ١١١).
(٢) تفسير الرازي (١٧/ ٣٢).
(٣) الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (٢/ ٧٢).
(٤) إقامة الحجة على العالمين بنبوة خاتم النبيين (١/ ١٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>