بثلاثمائة سرية! . . وكما شاع التسري عند العرب قبل الإسلام، فلقد مارسه، في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، غير المسلمين مثل المسلمين.
وإذا كان التسري، هو اتخاذ مالك الأمة منها سريّه، أي جعله لها موضعًا للوطء، واختصاصها بميل قلبي ومعاشرة جنسية، وإحصان واستعفاف. . فلقد وضع الإسلام له ضوابط شرعية جعلت منه زواجًا حقيقيًا، تشترط فيه كل شروط الزواج، وذلك باستثناء عقد الزواج؛ لأن عقد الزواج هو أدنى من عقد الملك، إذ في الأول تمليك منفعة، بينما الثاني يفضى إلى ملك الرقبة، ومن ثم منفعتها.
ولقد سميت الأمة التي يختارها مالكها سرية له سُميت "سُرِّيَّةِ"؛ لأنها موضع سروره، ولأنه يجعلها في حالٍ تسُرها دون سواها، أو أكثر من سواها. . فالغرض من التسري ليس مجرد إشباع غرائز الرجل، وإنما أيضًا الارتفاع بالأَمة إلى ما يقرب كثيرًا من مرتبة الزوجة الحرة. .
ولأن التسري مثله مثل الزواج من الحرائر. . فلقد اشترط الإسلام براءة رحم الأمة قبل التسري بها، فإباحة التسري قد جاء في آية إباحة الزواج: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣)} (النساء: ٣). والتكليف الإسلامي بحفظ الفروج عام بالنسبة لمطلق الرجال والنساء، أحرارًا كانوا أم رقيقًا، مسلمين كانوا أم غير مسلمين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦)} (المؤمنون: ٥، ٦). . ولقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سبايا -أوطاس- أي حنين:"لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. . "(١).
(١) أخرجه أبو داود (٢١٥٧)، والدرامي (٢٢٩٥)، وأحمد (٢/ ٢٢٤)، وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود (١٨٧٣)، وغيره.