البغاء في أوربا ضرورة اجتماعية: لأن الرجل الأوربي المتحضر لا يريد أن يعول أحدًا: لا زوجة ولا أولادًا. يريد أن يستمتع دون أن يتحمل تبعة. يريد جسد امرأة يفرغ فيه شحنة الجنس. ولا يعنيه من تكون هذه المرأة، ولا تعنيه مشاعرها نحوه ولا مشاعره نحوها. فهو جسد ينزو كالبهيمة، وهي جسد يتلقى هذه النزوة بلا اختيار، ويتلقاها لا من واحد بعينه، ولكن من أي عابر سبيل.
هذه هي الضرورة الاجتماعية التي تبيح استرقاق النساء في الغرب في العصر الحديث. وما هي بضرورة لو ارتفع الرجل الأوربي إلى مستوى الإنسانية، ولم يجعل لأنانيته كل هذا السلطان عليه.
- والدول التي ألغت البغاء في الغرب المتحضر لم تلغه لأن كرامتها أوجعتها، أو لأن مستواها الخلقي والنفسي والروحي قد ارتفع عن الجريمة. كلا! ولكن لأن الهاويات قد أغنين عن المحترفات. ولم تعد الدولة في حاجة إلى التدخل!
وبعد ذلك يجد الغرب من التبجح ما يعيب به نظام الجواري في الإسلام، ذلك النظام الذي كان قبل ألف وثلاثمائة عام -وعلى أنه نظام غير مطلوب له الدوام- أكرم بكثير وأنظف بكثير من النظام الذي يقوم اليوم في القرن العشرين، وتعتبره المدنية نظامًا طبيعيًا، لا يستنكره أحد، ولا يسعى في تغييره أحد، ولا يمانع أحد في أن يظل باقيًا إلى نهاية الحياة!
٤ - البغايا قد تكن مكرهات على البغاء، كما يُظن أن التسري فيه إكراه السيد لجاريته على الجماع:
ولا يقل قائل إن هؤلاء الهاويات يتطوعن دون إكراه من أحد، وهن مالكات لحريتهن الكاملة. فالعبرة بالنظام الذي يدفع الناس بأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية والروحية إلى قبول الرق أو الوقوع فيه. ولا شك أن الحضارة الأوربية هي التي تدفع إلى البغاء وتقره، سواء كان البغاء الرسمي، أو بغاء المتطوعات الهاويات! .