* كان الرقيق في عرف الرومان شيئًا لا بشرًا. شيئًا لا حقوق له البتة، وإن كان عليه كل ثقيل من الواجبات.
* ولنعلم أولًا من أين كان يأتي هذا الرقيق. كان يأتي من طريق الغزو. ولم يكن هذا الغزو لفكرة ولا لمبدأ. وإنما كان سببه الوحيد شهوة استعباد الآخرين وتسخيرهم لمصلحة الرومان.
فلكي يعيش الروماني عيشة البذخ والترف، يستمتع بالحمامات الباردة والساخنة، والثياب الفاخرة، وأطايب الطعام من كل لون، ويغرف في المتاع الفاجر من خمر ونساء ورقص وحفلات ومهرجانات، كان لا بد لكل هذا من استعباد الشعوب الأخرى وامتصاص دمائها.
- ومصر مثلٌ لذلك حين كانت في قبضة الرومان، قبل أن يخلصها من نيرانهم الإسلام. إذ كانت حقل قمح للإمبراطورية، وموردًا للأموال. ففي سبيل هذه الشهوة الفاجرة كان الاستعمار الروماني، وكان الرق الذي نشأ من ذلك الاستعمار. أما الرقيق فقد كانوا -كما ذكرنا- أشياء ليس لها كيان البشر ولا حقوق البشر. كانوا يعملون في الحقول وهم مصفدون في الأغلال الثقيلة التي تكفي لمنعهم من الفرار. ولم يكونوا يُطْعَمون إلا إبقاء على وجودهم ليعملوا، لا لأن من حقهم -حتى كالبهائم والأشجار- أن يأخذوا حاجتهم من الغذاء. وكانوا -في أثناء العمل- يساقون بالسوط، لغير شيء إلا اللذة الفاجرة التي يحسها السيد أو وكيله في تعذيب هذه المخلوقات. ثم كانوا ينامون في زنزانات مظلمة كريهة الرائحة تعيث فيها الحشرات والفئران، فيلقون فيها عشرات عشرات قد يبلغون خمسين في الزنزانة الواحدة -بأصفادهم- فلا يتاح لهم حتى الفراغ الذي يتاح بين بقرة وبقرة في حظيرة الحيوانات.
ولكن الشناعة الكبرى كانت شيئًا أفظع من كل ذلك، وأدل على الطبيعة الوحشية التي ينطوي عليها ذلك الروماني القديم، والتي ورثها عنه الأوربي الحديث في وسائل الاستعمار والاستغلال.