للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صلى اللَّه عليه وسلم- إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةَ يُنَادِى أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللهمَّ بَيِّنْ لَنَا في الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}) قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا. (١)

قال الرازي: قال القفال -رحمه اللَّه-: والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن اللَّه تعالى علم أن القوم قد كانوا ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بذلك كثيرًا، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم، فلا جرم استعمل في التحريم هذا التدريج، وهذا الرفق (٢).

قال الصابوني: في تحريم الخمر بهذا الترتيب حكمة بليغة وذلك أن القوم ألفوا شرب الخمر وأصبحت جزءًا من حياتهم، فلو حُرمت عليهم دفعة واحدة لشق ذلك على نفوسهم وربما لم يستجيبوا لذلك النهي، وذلك من الخطة الحكيمة التي انتهجها الإِسلام في معالجة الأمراض الاجتماعية، فقد سلك بالناس طريق (التدرج في تشريع الأحكام): فبدأ بالتنفير منه بطريق غير مباشر كما في الآية الأولى، ثم بالتنفير المباشر عن طريق المقارنة بين شيئين شيء فيه نفع ضئيل وشيء فيه ضرر وخطر جسيم كما في الآية الثانية، ثم بالتحريم الكلي في جميع الأوقات كما في الآية الرابعة، فلله ما أدق هذا التشريع وما أحكمه! (٣)

قال صاحب الظلال في الحكمة من التدرج في تحريم الخمر وما وصل إليه الإِسلام وما وصل إليه الغرب الكافر: كانت الخمر إحدى تقاليد المجتمع الجاهلي الأصيلة الشاملة وإحدى الظواهر المميزة لهذا المجتمع، فالروايات الكثيرة تدلل تغلغل ظاهرة الخمر في المجتمع الجاهلي.


(١) صحيح. أخرجه الترمذي (٣٠٤٩)، أبو داود في السنن (٣٦٧٠)، والطبري في التفسير (٢/ ٣٦٩)، والحاكم في المستدرك (٤/ ١٤٣) كلهم من طرق عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، عن عمر بن الخطاب به.
(٢) تفسير الرازي (٦/ ٤٠).
(٣) روائع البيان في تفسير آيات الأحكام للصابوني (٢/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>