للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالثة: يستحب الجمع بينهما.

والرابعة: أنه رجع عن جواز الوضوء به، وقال: يتيمم، وهو الذي استقر عليه مذهبه كذا قاله العبدري قال: وروى أنه قال: الوضوء بنبيذ التمر منسوخ.

ثم قال: واستدل أصحابنا بالآية {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (المائدة: ٦).

فمن توضأ بالنبيذ فقد ترك المأمور به، وبحديث أبي ذر -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين؛ فإذا وجد الماء فليمسه بشرته". (١) (حديث صحيح). . . والاستدلال منه كالاستدلال من الآية.

ومن القياس: كل شيء لا يجوز التطهر به حضرًا لم يجز سفرًا كماء الورد، ولأنه مائع لا يجوز الوضوء به مع وجود الماء فلم يجز مع عدمه كماء الباقلا: ولأنه شراب فيه شدة مطربة فأشبه الخمر، ولأنه مائع لا يطلق عليه اسم ماء كالخل.

ثم أجاب النووي -رحمه اللَّه- عن الحجج التي استدل بها من أباح الوضوء بالنبيذ فقال:

وأجاب أصحابنا مع هذا بأربعة أجوبة:

أحدها: أنه حديث مخالف الأصول فلا يحتج به عند أبي حنيفة.

والثاني: أنهم شرطوا لصحة الوضوء بالنبيذ السفر، وإنما كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في شعاب مكة كما ذكرناه.

الثالث: أن المراد بقوله نبيذ أي: ماء نبذت فيه تمرات ليعذب، ولم يكن متغيرًا وهذا تأويل سائغ؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "تمرة طيبة وماء طهور"، فوصف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئين ليس النبيذ واحدًا منهما.

الرابع: أن النبيذ الذي زعم أنه كان مع ابن مسعود لا يجوز الطهارة به عندهم؛ لأنه نقيع لا مطبوخ، فإن العرب لا تطبخه، وإنما تلقى فيه حبات تمر حتى يحلو.

قال الإمام النووي: ولقد أحسن وأنصف الإمام ابن جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي إمام الحنفية في الحديث والمنتصر لهم حيث قال في أول كتابه: إنما ذهب أبو حنيفة ومحمد إلى الوضوء بالنبيذ اعتمادًا على حديث ابن مسعود ولا أصل له (٢).


(١) أخرجه الترمذي (١٢٤)، والنسائي (١/ ١٧١)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (٣١١).
(٢) المجموع (١/ ٩٣: ٩٥)، ويراجع الأوسط لابن المنذر (١/ ٢٥٣: ٢٥٧)، والمحلى لابن حزم (١/ ٢٠٢: ٢٠٦)، وفتح الباري (١/ ٤٢١: ٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>