للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ" (١).

قال الشنقيطي: ومحل الشاهد منه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: فزنى العين النظر, فإطلاق اسم الزنا على نظر العين إلى ما لا يحل دليل واضح على تحريمه والتحذير منه، ومعلوم أن النظر سبب الزنا فإن من أكثر من النظر إلى جمال امرأة مثلًا قد يتمكن بسببه حبها ثم قبله تمكنًا يكون سبب هلاكه، والعياذ باللَّه، فالنظر بريد الزنا وقال مسلم بن الوليد الأنصاري:

كسبت لقلبي نظرة لتسره ... عيني فكانت شقوة ووبالا

ما مر بي شيء أشد من الهوى ... سبحان من خلق الهوى وتعالى

وقال آخر:

ألم ترى أن العين للقلب رائد ... فما تألف العينان فالقلب آلف

وقال آخر:

وأنت إذا أرسلت طرفك رائدًا ... لقلبك يومًا أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وقال المتنبي:

وأنا الذي اجتلب المنية طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل (٢)

قال ابن القيم: فلما كان غض البصر أصلًا لحفظ الفرج بدأ بذكره. . . وقد جعل اللَّه سبحانه العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته (٣).


(١) أخرجه البخاري (٦٢٤٣)، مسلم (٢٦٥٧).
(٢) أضواء البيان ٦/ ١٩٢: ١٩١.
(٣) روضة المحبين (٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>