للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمعاينة والغيب ينزجرون بإخبار الحضور فيحصل الزجر للكل وكذا فيه منع الجلاد من المجاوزة عن الحد الذي جعل له لأنه لو جاوز لمنعه الناس عن المجاوزة وفيه أيضًا دفع التهمة والميل فلا يتهمه الناس أن يقيم الحد عليه بلا جرم سبق منه واللَّه تعالى الموفق (١).

وقال الماوردي: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} يعني بالعذاب الحد يشهده عند الإقامة طائفة من المؤمنين ليكونوا زيادة في نكاله وبيِّنة على إقامة حده (٢).

وقال ابن العربي: وَفِقْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ الْمَحْدُودَ، وَمَنْ شَهِدَهُ وَحَضَرَهُ يَتَّعِظُ بِهِ وَيَزْدَجِرُ لِأَجْلِهِ، وَيَشِيعُ حَدِيثُهُ؛ فَيَعْتَبِرُ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ (٣).

وقال السعدي: وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة، أي: جماعة من المؤمنين، ليشتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع، وليشاهدوا الحد فعلا فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل، مما يقوى بها العلم، ويستقر به الفهم، ويكون أقرب لإصابة الصواب، فلا يزاد فيه ولا ينقص (٤).

وقال ابن عاشور: أمر أن تحضر جماعة من المسلمين إقامة حد الزنا تحقيقًا لإقامة الحد وحذرًا من التساهل فيه فإن الإخفاء ذريعة للإنساء، فإذا لم يشهده المؤمنون فقد يتساءلون عن عدم إقامته فإذا تبين لهم إهماله فلا يعدم بينهم من يقوم بتغيير المنكر من تعطيل الحدود.

وفيه فائدة أخرى وهي أن من مقاصد الحدود مع عقوبة الجاني أن يرتدع غيره، وبحضور طائفة من المؤمنين يتعظ به الحاضرون ويزدجرون ويشيع الحديث فيه بنقل الحاضر إلى الغائب (٥).


(١) بدائع الصنائع (٦١: ٦٠).
(٢) النكت والعيون ٤/ ٧٢.
(٣) أحكام القرآن ٣/ ١٣٢٧.
(٤) تفسير السعدي ١/ ٥٦١.
(٥) التحرير والتنوير ١/ ٢٨٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>