اللغة أقسى منها لوصف المستهترات بالصيانة والآداب. فقد كان أجدادنا العرب، الذين ورثنا دمهم وحضارتهم ودينهم ولغتهم إذا رأوا المرأة أظهرت محاسن وجهها ورقبتها، أو تكسرت وتبخترت في مشيتها وصفوها بالمتبرجة، وإذا رأوها لا تبالي أن يظهر بعض منها كالساق والذراع، وصفوها بالمتهتكة، وأصل التهتك أن ينشق سترها أو ثوبها ويظهر منها بدون إرادتها، ومع ما كان في معيشتهم، وهي معيشة رحلة وانتقال، وما في بيوتهم وهي أخبية لكل أسرة خباء من تعسر الاحتجاب والتستر، هذا ما كان عند العرب منذ جاهليتهم، الجهلاء عن مدلول هذه الألفاظ. أما الكشف عن الصدور والظهور والأذرع والسيقان والأفخاذ والأعجاز والأطراح أو الجلوس على هذه الصور الذميمة، وعلى مرأى من جماهير الناس بلا مبالاة، فإنه من بدع هذا الزمان، ولم يعهد فيما مضى من الأزمان، ولا يمكن أن يقاس بما كان في الدول العربية المختلفة من مظاهر التبرج والتهتك، ولا يصح أن يكون مدلولًا للألفاظ التي وضعت لوصف النساء المستهترات.
إن لهذا التعري ناحيتين: ناحية قريبة وناحية بعيدة، أما الناحية القريبة فالحكم الذي يصدق عليه أبلغ صدق هو أنه دعوة صريحة مكشوفة للبغاء والإباحة المطلقة، فإن لم يكن لذلك وكان لا يزعمون من التمتع بالماء والهواء والشمس، فلم هجرت الحمامات النسوية حتى انقرضت، ولم تهجر الآن الشواطئ المختصة بالإناث؛ ولئن كان هذا الضرب من الفجور قبيحًا بالبغايا المرتزقات، إنه بالحرائر المسلمات أقبح القبائح، وأفظع، التي يقشعر لهولها البدن، ويقف لفداحتها الشعر، إن هذا التعري يغري الرجال والشبان والنساء بالفساد وفي هذا الفساد ما فيه من هتك حرمات الفضائل، وضياع الأنساب وخراب البيوت والانصراف عن الزواج، وانقراض النسل، وانصراف الشبان عن تكميل أنفسهم بالعلم والفضيلة إلى هذا العبث، والاستهداف لأخطار الأمراض الجسدية والخلقية؛ وكل ذلك بلا شك يفضي في نهاية إلى تدمير المجتمع. أما ما يزعمه أنصار العري من أن الملابس حائل بين الأجسام وبين الهواء والشمس فباطل ينكره العقل، ويكذبه الحس، وإلا لما