للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} (الأعراف: ٢٢).

أخذ كل منهما من ورق الجنة؛ ليستر به ما ظهر من عورته، وهكذا تكون الفطرة.

ويقول سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} (الأعراف: ٢٧).

فما حدث لآدم -عليه السلام- مع عدوه إبليس نرى أن الحياء من التعري وانكشاف السوءة شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته، ويحكي اللَّه عن قصة بلقيس مع سيدنا سليمان -عليه السلام- حينما دخلت الصرح وظنت أن به ماء ولم تكن تعرف أنه زجاج، فماذا فعلت قال تعالى: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} (النمل: ٤٤) والكشف عن الساق يدل على أن بلقيس كانت ترتدي ملابس طويلة وكانت محجبة، هذا على الرغم من أنها لم تسمع آيات ولا أحاديث، بل كانت كافرة، ولكن كانت ذات فطرة سليمة.

وكل هذه الآيات توحي بأهمية هذه المسألة وعمقها في الفطرة البشرية، فاللباس، وستر العورة: زينة للإنسان، وستر لعوراته الجسدية، كما أن التقوى لباس وستر لعوراته النفسية.

والفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوءاخهما الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها، والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى ومن الحياء من اللَّه، ثم من الناس. والذين يطلقون ألسنتهم، وأقلامهم، وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة -في شتى الصور والأساليب الخبيثة- هم الذين يريدون سلب الإنسان خصائص فطرته، وخصائص إنسانيته، التي بها صار إنسانًا متميزًا عن الحيوان.

قال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)} (الإسراء: ٧٠).

إن العري فطرة حيوانية، ولم تزل الحيوانات في انكشاف منذ خلقت، لم يتغير حالها

<<  <  ج: ص:  >  >>